للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندي أن يُقالَ: إن اللهَ جلَّ ثناؤُه أمَر بالإنفاقِ في سبيلِه بقولِه. ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ وسبيلُه: طريقُه الذي شرَعه لعبادِه وأوضَحَه لهم.

ومعنى ذلك: [﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾] (١): وأنْفِقوا في إعزازِ دينِي الذي شرَعْتُه لكم بجهادِ عدوِّكم النّاصِبينَ لكم الحربَ على الكفرِ بي. ونهاهم أن يُلْقُوا بأيدِيهم إلى التَّهْلُكةِ، فقال: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾. وذلك مَثَلٌ، والعربُ تقولُ للمُسْتَسْلمِ للأمرِ: أعطَى فلانٌ بيَدَيْه. وكذلك يُقالُ للمُمَكِّنِ مِن نفسِه مما أُرِيد به: أعطَى بيدَيْه.

فمعنى قولِه: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾: ولا تَسْتَسْلِموا للهَلَكَةِ فتُعْطُوها أَزِمَّتَكم فتَهْلِكوا، والتاركُ النفقةِ في سبيلِ اللهِ عندَ وجُوبِ ذلك عليه مُسْتَسْلِمٌ للهَلَكَةِ بتركِه أداءَ فرضِ اللهِ عليه في مالِه، وذلك أنَّ اللهَ جلَّ ثناؤُه جعَل أحدَ سِهامِ الصدقاتِ المفروضاتِ الثمانيةِ في سبيلِه، فقال: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾. إلى قولِه: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [التوبة: ٦٠].

فمن ترَك إنفاقَ ما لزِمه مِن ذلك في سبيلِ اللهِ على ما لزِمه كان للهَلَكَةِ مستسلِمًا، وبيدَيْه للتَّهْلُكةِ مُلْقِيًا، وكذلك الآيِسُ مِن رحمةِ اللهِ لِذنبٍ سلَف منه مُلْقٍ بيدَيه إلى التَّهْلُكةِ؛ لأنَّ اللهَ قد نَهى عن ذلك فقال: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: ٨٧]. وكذلك التاركُ غزوِ المشركين وجهادِهم في حالِ وُجوبِ ذلك عليه في حالِ حاجةِ المسلمين إليه، مُضَيِّعٌ فرضًا،


= وأخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر ص ٢٦٩، ٢٧٠، والحاكم ٢/ ٢٧٥، والبيهقي ٩/ ٤٥، والواحدي في أسباب النزول ص ٣٨ من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ، عن حيوة - وحده - به.
(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.