للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال: بماذا؟ قيل: بمَتْروكٍ، وذلك: فعليه. لأن تأويلَ الكلامِ: وأتمُّوا الحَجَّ والعمرةَ للَّهِ أيُّها المؤمنون، فإنْ حبَسكم عن إتمامِ ذلك حابسٌ مِن مرضٍ أو كسرٍ أو خوفِ عدوٍّ، فعليكم لإحلالِكم إن أَرَدْتُم الإحلالَ مِن إحرامِكم - ما اسْتَيْسَر مِن الهَدْيِ.

وإنما اخْتَرْنا الرفْعَ في ذلك؛ لأن أكثرَ القرآنِ جاء برفعِ نظائرِه؛ وذلك كقولِه: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ﴾. وكقولِه: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ﴾. وما أشْبَه ذلك، مما يَطُولُ بإِحصائِه الكتابُ، تَرَكْنا ذِكْرَه استِغْناءً بما ذكَرنا عنه.

ولو قيل: موضعُ "ما" نَصْبٌ، بمعنى: فإن أحصِرتم فأَهْدُوا ما اسْتَيْسَر مِن الهَدْيِ. لكان غيرَ مُخْطئٍ قائِلُه.

وأما الهَدْيُ، فإنه جمعٌ، واحدُها هَدْيَةٌ، على تقديرِ جَدْيةِ السَّرْجِ (١)، والجمعُ الجَدْيُ، مخففٌ.

حُدِّثْتُ عن أبي عُبَيْدةَ مَعْمَرِ بنِ المُثَنَّى، عن يونسَ، قال: كان أبو عمرِو بنُ العلاءِ يقولُ: لا أعْلَمُ في الكلامِ حرفًا يُشْبِهُه (٢).

وبتَخفيفِ الياءِ قرَأه القَرأَةُ في كلِّ مِصرٍ، وتسكينِ الدالِ ﴿مِنَ الْهَدْيِ﴾. إلا ما ذُكِر عن الأعرجِ؛ فإن أبا هشامٍ الرفاعيَّ حدَّثنا، قال: ثنا يعقوبُ، عن بشارٍ، عن أَسِيدٍ (٣)، عن الأعرجِ أنه قرَأ: (هَدِيًّا بالِغَ الكَعْبَةِ). بكسرِ الدالِ مُثَقَّلًا، وقرَأ:


(١) جدية السرج: القطعة من الكساء المحشُوة تحت دفتى السرج وظلِفة الرجل. اللسان (ج د ى).
(٢) مجاز القرآن ١/ ٦٩.
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "أسد". وينظر تهذيب الكمال ٣/ ٢٣٧.