للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَجَّةٌ، فإن هو رجَع، لم يَزَلْ مُحْرِمًا حتى يُنْحَرَ عنه يومَ النَّحْرِ، فإن هو بلَغه أن صاحبَه لم يَنْحَرْ عنه، عاد مُحْرِمًا، وبعَث بهَدْيٍ آخرَ، فواعَد صاحبَه يومَ يَنْحَرُ عنه (١)، فنَحَرَ عنه بمكةَ، ويَحِلُّ، وعليه مِن قابلٍ حَجَّةٌ وعمرةٌ، ومِن الناسِ مَن يقولُ: عُمرتان. وإن كان أحْرَم بعمرةٍ، ثم رجَع، وبعَث بهَدْيِه، فعليه مِن قابلٍ عُمْرَتان. وأناسٌ يَقُولون: لا، بل ثلاثُ عُمَرٍ، نحوًا مما صنَعوا في الحجِّ حين صنَعوا، عليه حَجَّةٌ وعُمْرَتان.

حدَّثنا عبدُ الحميدِ بنُ بَيانٍ القَنّادُ، قال: أخبَرَنا إسحاقُ الأزرقُ، عن أبي بشرٍ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ وعطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: إذا أُحْصِرَ الرجلُ بعَث بهَدْيِه، إذا كان لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَصِلَ إلى البيتِ مِن العدوِّ، فإن وجَد مَن يُبْلِغُها عنه إلى مكةَ، فإنه يَبْعَثُ بها مكانَه، ويُواعِدُ صاحبَ الهَدْيِ، فإذا أمِن فعليه أن يَحُجَّ ويَعْتَمِرَ، فإن أصابَه مَرَضٌ يَحْبِسُه وليس معه هَدْيٌ، فإنه يَحِلُّ حيثُ يُحْبَسُ، وإن كان معه هَدْيٌ، فلا يَحِلُّ حتى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه إذا بعَث به، وليس عليه أن يَحُجَّ قابِلًا ولا يَعْتَمِرَ، إلا أن يَشَاءَ (٢).

وعِلَّةُ مَن قال هذه المقالةَ - أن مَحِلَّ الهَدَايَا والبُدْنِ الحَرَمُ - أنَّ اللَّهَ - جلَّ وعزَّ - ذكَر البُدْنَ والهَدَايَا فقال: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٢، ٣٣]. فجعَل مَحِلَّها الحَرَمَ، فلا مَحِلَّ للهَدْيِ دُونَه.

قالوا: وأما ما ادَّعى المُحْتَجُّون بنَحْرِ النبيِّ هَدَاياه بالحُدَيْبيةِ حين صُدَّ عن البيتِ، فليس ذلك بالقولِ المُجْتَمَعِ عليه؛ وذلك أن الفضلَ بنَ سهلٍ حدَّثني، قال: ثنا مُخَوَّلُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا إسرائيلُ، عن مَجْزَأةَ بنِ زاهرٍ الأسْلَمِيِّ، عن أبيه،


(١) بعده في م: "بمكة".
(٢) تفسير مجاهد ص ٢٢٦.