للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهدْيِ، كان حُكمُ الصدقةِ مثلَه؛ لأنها واجبةٌ لمن وجَب عليه (١) الهدْيُ، وذلك أن الإطعامَ فديةٌ وجزاءٌ كالدَّمِ، فحكمُهما واحدٌ.

وأمَّا عِلَّةُ مَن زعَمَ أن للمُفْتدِي أن يَنسُكَ حيثُ شاءَ ويتصدَّقَ ويصومَ، أن اللَّهَ لم يشترِطْ على الحالِقِ رأسَه من أذًى هَدْيًا، وإنما أوجَب عليه نُسُكًا أو إطعامًا أو صيامًا، وحيثما نَسَكَ أو أطعَم أو صام فهو ناسِكٌ ومُطْعِمٌ وصائمٌ. وإذا دخَلَ في عدادِ من يستحِقُّ ذلك الاسمَ، كان مؤدِّيًا ما كلَّفه اللَّهُ ﷿؛ لأنَّ اللَّهَ جلّ ثناؤُه لو أراد من إلزامِ الحالقِ رأسَه في نُسكِه بلوغَ الكعبةِ لشرَطَ ذلك عليه كما شرَط في جزاءِ الصيدِ، وفي تركِ اشتراطِ ذلك عليه دليلٌ واضحٌ أنه حيثُ نَسَكَ أو أطعَم أجزأَ.

وأما عِلّةُ مَن قال: النُّسُكُ بمكَّةَ، والصيامُ والإطعامُ حيثُ شاءَ. [فإنّ النُّسُكَ] (٢) دمٌ كدمِ الهَدْيِ، فسبيلُه سبيلُ هدْيِ قاتلِ الصَّيدِ. وأما الإطعامُ، فلم يَشترطِ اللَّهُ تعالى ذكرُه في (٣) أن يُصرفَ إلى أهلِ مسكنةِ مكانٍ دونَ مكانٍ، كما شرَطَ في هدْيِ الجزاءِ بلوغَ الكعبةِ، فليس لأحدٍ أن يدَّعِيَ أن ذلك لأهلِ مكانٍ دونَ مكانٍ، إذا لم يكنِ اللَّهُ تعالى ذكرُه شرَطَ ذلكَ لأهلِ مكانٍ بعينِه، كما ليس لأحدٍ أن يدَّعِيَ أن ما جعَله اللَّهُ مِن الهَدْيِ لساكنِي الحرمِ لغيرِهم، إذ كان اللَّهُ قد خَصَّ بأنّ ذلك لمن به مِن أهلِ المسكنةِ.

والصوابُ من القولِ في ذلك أن اللَّهَ - جلَّ وعزَّ - أوجَبَ على حالقِ رأسِه من أذًى من المحرِمين فِديةً مِن صيامٍ أو صدقةٍ أو نُسُكٍ، ولم يشترِطْ أنّ عليه ذلك بمكانٍ دونَ


(١) في الأصل: "له".
(٢) في م: "فالنسك".
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فيه".