للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في جميعِه، مِن لغاتِ أحياءٍ مِن قبائلِ العربِ مُخْتلفةِ الألسنِ، كما كان يقولُه بعضُ مَن لم يُنْعِمِ (١) النظرَ في ذلك، فيصيرُ بذلك إلى القولِ بما لا يَجْهَلُ فسادَه ذو عقلٍ، ولا يَلْتَبِسُ خطَؤُه على ذي لُبٍّ؛ وذلك أن الأخبارَ التي بها احْتَجَجْتَ لتصحيحِ مقالتِك في تأويلِ قولِ النبيِّ : "نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ". وهي الأخبارُ التي روَيْتَها (٢) عن عمرَ بنِ الخطابِ، وعبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ، وأُبيِّ بنِ كعبٍ، رحمةُ اللَّهِ عليهم، وعمّن روَيْتَ ذلك عنه مِن أصحابِ رسولِ اللَّهِ ، بأنهم تَمارَوْا في تلاوةِ بعضِ القرآنِ، فاخْتَلَفوا في قراءتِه دونَ تأويلِه، وأنْكَر بعضٌ قراءةَ بعضٍ، مع دعْوَى كلِّ قارئٍ منهم قراءةً منها أن رسولَ اللَّهِ أقْرَأه ما قرَأ بالصفةِ التي قرَأ، ثم احْتَكموا (٣) إلى رسولِ اللَّهِ ، فكان مِن حكمِ رسولِ اللَّهِ بينَهم أن صوَّب قراءةَ كلِّ قارئٍ منهم، على خلافِها قراءةَ أصحابِه الذين نازعوه فيها، وأمَر كلَّ امرئٍ منهم أن يَقْرَأَ كما عُلِّم، حتى خالَط قلبَ بعضِهم الشكُّ في الإسلامِ؛ لما رأَى من تَصْويبِ رسولِ اللَّهِ قراءةَ كلِّ قارئٍ منهم على اختلافِها، ثم جَلاه اللَّهُ عنه ببيانِ رسولِ اللَّهِ أن القرآنَ أُنْزِل على سبعةِ أحرفٍ.

فإن كانت الأحرفُ السبعةُ التي نزَل بها القرآنُ عندَك - كما قال هذا القائلُ - مُتَفَرِّقةً في القرآنِ، مُثْبَتةً اليومَ في مَصاحفِ أهلِ الإسلامِ، فقد بطَلَت معاني الأخبارِ التي روَيْتَها عمَّن رويتَ (٤) عنه مِن أصحابِ رسولِ اللَّهِ أنهم اخْتَلَفوا في قراءةِ سورةٍ مِن القرآنِ، فاخْتَصَموا إلى رسولِ اللَّهِ ، فأمَر كلًّا أن يَقْرَأَ كما عُلِّم؛ لأن


(١) في م: "يمعن"، وفي ت ٢: "يعن".
(٢) في ت ٢: "رويناها".
(٣) في ص، ت ١: "اختلفوا".
(٤) في م، ت ١: "رويتها".