للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ [التربة: ٣٦] وإنما قلنا: ذلك ناسخٌ لقولِه: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ لتَظاهرِ الأخبارِ عن رسولِ اللهِ أنه غَزا هوازنَ بحُنَينٍ، وثقيفًا بالطائفِ، وأرْسَل أبا عامرٍ إلى أوطاسٍ لحربِ مَن بها مِن المشركين في بعضِ الأشْهُرِ الحُرُمِ، وذلك في شوالٍ وبعضِ ذى القَعدةِ، وهما (١) مِن الأشهرِ الحُرُمِ، فكان معلومًا بذلك أنه لو كان القتالُ فيهن حرامًا وفيه معصيةٌ، كان أبعدَ الناسِ مِن فعلِه . وأُخْرَى، أن جميعَ أهلِ العلمِ بسِيَرِ رسولِ اللهِ لا تَتدافعُ أن بيعةَ الرِّضْوانِ على قتالِ قريشٍ كانت في (٢) ذى القَعْدةِ، وأنه إنما دعا أصحابَه إليها يومَئذٍ، لأَنه بلَغه أن عثمانَ بنَ عفانَ قتلَه المشركون إذ أرْسَله إليهم بما أرسلَه به مِن الرسالةِ، فبايَع على أن يُناجِزَ القومَ الحربَ ويُحاربَهم، حتى رجَع عثمانُ بالرسالةِ، وجرَى بينَ النبيِّ وقريشٍ الصُّلْحُ، فكفَّ عن حربهم حينئذٍ وقتالِهم، وكان ذلك في ذى القَعْدةِ، وهو مِن الأشْهُرِ الحُرُمِ. فإذا كان ذلك كذلك، فبَيِّنٌ صحةُ ما قلنا في قولِه: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾. وأنه مَنْسوخٌ.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن النهىَ عن القتالِ في الأشهرِ الحرمِ كان بعدَ استحلالِ النبيِّ إياهنَّ؛ لما وَصَفنا من حُروبِه، فقد ظنَّ جهلًا، وذلك أن هذه الآيةَ -أعْنِى قولَه: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ - في أمرِ عبدِ اللهِ بنِ جَحْشٍ وأصحابِه، و (٣) ما كان مِن أمرِهم وأمرِ القَتيلِ الذى قتَلوه، فأنزَل اللهُ في أمرِه هذه


(١) في م: "هو".
(٢) بعده في م: "أول".
(٣) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "وكان".