للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأن الآيةَ عامٌّ ظاهرُها، خاصٌّ باطنُها، لَمْ يُنْسَخْ منها شيءٌ، وأن نساءَ أهلِ الكتابِ غيرُ داخلاتٍ فيها، وذلك أن اللهَ تعالى ذكرُه أحلَّ بقولِه: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ للمؤمنين مِن نكاحِ مُحْصَناتِهنَّ، مثلَ الذى أباح لهم مِن نساءِ المؤمناتِ.

وقد بيَّنَّا في غيرِ هذا الموضعِ مِن كتابِنا هذا (١)، وفى كتابنا "كتابِ اللطيفِ مِن البيانِ" أن كلَّ آيتينِ أو خبَرينِ كان أحدُهما نافيًا حكمَ الآخرِ في فِطرةِ العقلِ، فغيرُ جائزٍ أن يُقْضَى على أحدِهما بأنه ناسخٌ حكمَ الآخرِ إلَّا بحُجَّةٍ مِن خبرٍ قاطعٍ للعُذْرِ مجيئُه، وذلك غيرُ موجودٍ أن (٢) قولَه: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ ناسخٌ ما كان قد وجَب تحريمه مِن النساءِ بقولِه: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾. فإن لَمْ يكنْ ذلك موجودًا كذلك، فقولُ القائلِ: هذه ناسخةُ هذه. دعوى لا برهانَ له عليها، والمُدَّعِى دعوى لا برهانَ له عليها مُتَحَكِّمٌ، والتحكُّمُ لا يَعْجِزُ عنه أحدٌ.

وأمَّا القولُ الذى رُوِى عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عن ابنِ عباسٍ، عن عمرَ مِن تفريقِه بينَ طلحةَ وحذيفةَ وامرأتيْهما اللتين كانتا كتابيَّتين - فقولٌ لا معنَى له، لخلافِه ما الأمةُ مجتمعةٌ على تحليلِه بكتابِ اللهِ تعالى ذكرُه وخبرِ رسولِه .

وقد رُوِى عن عمرَ بنِ الخطابِ مِن القولِ خلافُ ذلك بإسنادٍ هو أصحُّ منه، وهو ما حَدَّثَنِي به موسى بنُ عبدِ الرحمنِ المَسْرُوقيُّ، قال: ثنا محمدُ بنُ بشرٍ، قال: ثنا سفيانُ بنُ سعيدٍ، عن يزيدَ بنِ أبي زيادٍ، عن زيدِ بنِ وهبٍ، قال:


(١) ينظر ما تقدم في ٢/ ٤٥٧، ٤٥٨.
(٢) في م: "بأن".