للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا الذين قالوا: معنى قولِه: ﴿أَنَّى شِئْتُمْ﴾: كيف شِئتم؛ مقبلةً ومدبرةً في الفرجِ والقُبُلِ. فإنهم قالوا: إن الآيةَ إنما نزَلت في استنكارِ قومٍ من اليهودِ اسْتَنكروا إتيانَ النساءِ في أقْبالهنَّ من قِبَلِ أدْبارِهنَّ. قالوا: وفى ذلك دليلٌ على صحَّةِ ما قلنا، من أن معنى ذلك على ما قلنا.

واعتلُّوا لقِيلِهم ذلك بما حدَّثنى به أبو كُريبٍ، قال: ثنا المُحارِبىُّ، قال: ثنا محمدُ بنُ إسحاقَ، عن أبانِ بنِ صالحٍ، عن مجاهدٍ، قال: عرَضتُ المصْحفَ على ابنِ عباسٍ ثلاثَ عرَضاتٍ من فاتحتِه إلى خاتمتِه، أُوقِفُه عندَ كلِّ آيةٍ، وأسألُه عنها، حتى انتهى إلى هذه الآيةِ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾. فقال ابنُ عباسٍ: إن هذا الحىَّ من قريشٍ كانوا يَشْرَحُون النساءَ بمكةَ، ويتلذَّذون بهنَّ مُقْبلاتٍ ومُدبراتٍ، فلمَّا قدِموا المدينةَ تزوَّجوا في الأنصارِ، فذهَبوا لِيَفعلوا بهنَّ كما كانوا يَفعلون بالنساءِ بمكةَ، فأنكرْنَ ذلك وقُلْنَ: هذا شيءٌ لم نكنْ نُؤْتَى عليه. فانتشر الحديثُ حتى انتهى إلى رسولِ اللهِ ، فأنزَل اللهُ تعالى ذكرُه في ذلك: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾: إن شئتَ فمقبلةً، وإن شئتَ فمدبرةً، وإن شئتَ فباركةً، وإنما يعنى بذلك موضعَ الولدِ للحرثِ، يقولُ: ائتِ الحرثَ من حيثُ شِئتَ (١).

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا يونسُ بنُ بُكيْرٍ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ بإسنادِه نحوَه.

حدَّثنا محمدُ بنُ بشَّارٍ، قال: ثنا ابنُ مَهْدِىٍّ، قال: ثنا سفيانُ، عن محمدِ بنِ


(١) أخرجه الطبرانى (١١٠٩٧) من طريق المحاربى به، وأخرجه أبو داود (٢١٦٤)، والحاكم ٢/ ١٩٥، والبيهقى ٧/ ١٩٥، ١٩٦ من طريق ابن إسحاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٢٦٣ إلى ابن راهويه والدارمى وابن المنذر، وتقدم تخريجه مختصرا عند الدارمى في ص ٧٣٦.