للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومَسْموعٌ مِن العربِ: لغَيْتُ باسمِ فلانٍ. بمعنى: أُولِعْتُ بذكرِه بالقبيح. فمن قال: لغَيْتُ. قال: ألْغَى لَغًا. وهى لغةٌ لبعضِ العربِ، ومنه قولُ الراجزِ (١):

ورَبِّ أَسرابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ

عن اللَّغَا ورَفَثِ التَّكَلُّمِ

فإذ كان اللغوُ ما وصَفْتُ، وكان الحالفُ باللهِ: ما فعَلْتُ كذا. وقد فعَل، ولقد فعَلْتُ كذا. وما فعَل، واصِلًا بذلك كلامَه على سبيلِ سُبوقِ لسانِه مِن غيرِ تعمُّدِ إثْمٍ في يمينِه، ولكن لعادةٍ قد جرَت له عندَ عَجَلةِ الكلامِ، والقائلُ: واللهِ إن هذا لَفلانٌ. وهو يراه كما قال، أو: واللهِ ما هذا فلانًا. وهو يَراه ليس به، والقائلُ: ليَفْعَلَنَّ كذا واللهِ. أو: لا يَفْعَلُ كذا واللهِ. على سبيلِ ما وصَفْنا مِن عَجَلةِ الكلامِ وسُبوقِ اللسانِ للعادةِ، على غيرِ تعمُّدِ حَلِفٍ على باطلٍ، والقائلُ: هو مُشْرِكٌ، أو هو يَهُودىٌّ، أو نَصْرانيٌّ، إن لم يَفْعَلْ كذا، أو إن فعَل كذا. مِن غيرِ عزمٍ على كفرٍ أو يَهُوديةٍ أو نصرانيةٍ، جميعُهم قائلون هُجْرًا مِن القولِ، وذَميمًا مِن المَنْطِقِ، وحالِفون مِن الأيمانِ بألسنتِهم ما لم تتَعَمَّدْ فيه الإثمَ قلوبُهم، كان معلومًا أنهم لُغاةٌ في أيْمانِهم لا يَلْزَمُهم كفارةٌ في العاجلِ، ولا عقوبةٌ في الآجِلِ؛ لإخبارِ اللهِ تعالى ذكرُه أنه غيرُ مُؤاخِذٍ عبادَه بما لغَوْا مِن أيمانِهم، وأن الذى هو مُؤاخِذُهم به ما تعَمَّدَت فيه الإثمَ قلوبُهم.

وإذ كان ذلك كذلك، وكان صحيحًا عن رسولِ اللهِ أنه قال: "مَن حلَف على يمينٍ فرأَى غيرَها خيرًا منها، فلْيَأْتِ الذى هو خيرٌ، ولْيُكَفِّرْ عن يمينِه" (٢). فأوْجَب الكفارةَ بإتيانِ الحالفِ ما حلَف ألا يَأْتِيَه، مع وجوبِ إتيانِ الذى هو خيرٌ مِن


(١) تقدم تخريجه في ٣/ ٢٩٦.
(٢) أخرجه البخاري (٦٦٢٢، ٦٧٢٢، ٧١٤٦، ٧١٤٧)، ومسلم (١٦٥٢) من حديث عبد الرحمن بن سمرة، وينظر تخريجه في مسند الطيالسي (١٤٤٨).