للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذى حلَف عليه ألا يَأْتِيَه، وكانت الغرامةُ في المالِ، أو إلزامُ الجزاءِ مِن المجزيِّ (١) أبدانَ الجازين (٢)، لا شكَّ عقوبةً كبعضِ العقوباتِ التى جعَلها اللهُ تعالى ذكرُه نَكالًا لخلقِه فيما تَعَدَّوْا مِن حُدودِه، وإن كان يَجْمَعُ جميعَها أنها تَمْحيصٌ وكَفَّاراتٌ لمَن عُوقِبَ بها فيما عُوقِبوا عليه - كان بيِّنًا أن مَن أُلْزِم الكفارةَ في عاجلِ دُنْياه فيما حلَف به مِن الأيمانِ فحنِث فيه، وإن كانت كفارةً لذنبِه (٣)، فقد واخَذَه اللهُ بها بإلزامِه إياه الكفارةَ منها، وإن كان ما عجَّل مِن عقوبتِه إياه على ذلك مُسْقِطًا عنه عقوبتَه في آجِلِه. وإذ كان تعالى ذكرُه قد واخَذَه بها، فغيرُ جائزٍ لقائلٍ أن يقولَ، وقد واخَذَ بها: هى مِن اللغوِ الذى لا يؤاخَذُ به قائله.

فإذ كان ذلك غيرَ جائزٍ، فبيِّنٌ فسادُ القولِ الذى رُوِى عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ أنه قال: اللغوُ: الحلِفُ على المعصيةِ. لأن ذلك لو كان كذلك لم يَكُنْ على الحالفِ على معصيةِ اللهِ كفارةٌ بحِنْثِه في يمينِه، وفى إيجابِ سعيدٍ عليه الكفارةَ دليلٌ واضحٌ على أن صاحبَها بها مُؤاخَذٌ؛ لما وصَفْنا مِن أن مَن لزِمه الكفارةُ في يمينِه فليس ممَّن لم يُؤاخَذْ بها.

فإذ كان اللغوُ هو ما وصَفْنا مما أخْبَرَنا اللهُ تعالى ذكرُه أنه غيرُ مُؤاخِذِنا به، وكلُّ يمينٍ لزِمَت صاحبَها بحِنْثِه فيها الكفارة في العاجلِ، و (٤) أوْعَد اللهُ تعالى ذكرُه صاحبَها العقوبةَ عليها في الآجِلِ، وإن كان وضَع عنه كفارتَها في العاجلِ -فهى مما كسَبَتْه قلوبُ الحالفِين، وتعَمَّدَت فيه الإثْمَ نفوسُ المُقْسِمِين، وما عدا ذلك فهو اللغوُ


(١) في م: "الجازى".
(٢) في م: "المجزيين".
(٣) في ص، ت ٢، ت ٣: "لدينه".
(٤) في م: "أو".