للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبذلك (١) أنْزَل رَبُّنا (٢) مُحْكَمَ كتابِه، فقال: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٧]. وكان نبيُّنا محمدٌ إذا ذكَر شيئًا مِن ذلك لَمْ يَدُلَّ عليه إلا بأشراطِه، دونَ تحديدِه بوقتِه (٣)، كالذي رُوِي عنه أنه قال لأصحابِه إذ ذكَر الدجالَ: "إن يَخْرُجْ وأنا فِيكم، فأنا حَجِيجُه، وإن يَخْرُجْ بَعْدِي، فاللَّهُ خَلِيفَتِي عليكم" (٤). وما أشْبَهَ ذلك مِن الأخبارِ التي يَطولُ باستيعابِها الكتابُ، الدالةِ على أنه لم يكنْ عندَه علمُ أوقاتِ شيءٍ منه بمقاديرِ السنينَ والأيامِ، وأن اللَّهَ جلَّ ثناؤُه إنما كان عرَّفه مجيئَه بأشراطِه، ووقْتَه بأدلتِه (٥).

وأن منه ما يَعْلَمُ تأويلَه كلُّ ذي علمٍ باللسانِ الذي نزَل به القرآنُ، وذلك إقامةُ إعرابِه، ومعرفةُ المُسَمَّياتِ بأسمائِها اللازمةِ غيرِ المُشْتَرَكِ فيها، والموصوفاتِ بصفاتِها الخاصةِ دون ما سواها، فإن ذلك لا يَجْهَلُه أحدٌ منهم، وذلك كسامعٍ منهم لو سمِع تاليًا يَتْلُو: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ١١، ١٢]. لم يَجْهَلْ أن معنى الإفسادِ هو ما يَنْبَغِي تركُه مما هو مضَرَّةٌ، وأن الإصلاحَ هو ما يَنْبَغِي فِعْلُه مما فعلُه منفعةٌ، وإن جَهِل المعانيَ التي جعَلها اللَّهُ إفسادًا، والمعانيَ التي جعَلها اللَّهُ إصْلاحًا، فالذي يَعْلَمُه ذو اللسانِ الذي بلسانِه نزَل القرآنُ، مِن تأويلِ القرآنِ، هو ما


(١) في م، ت ٢: "كذلك".
(٢) بعده في م: "في".
(٣) في م: "بوقت".
(٤) أخرجه مسلم (٢٩٣٧) من حديث النواس بن سمعان نحوه.
(٥) بعده في ت ١: "وأزمنة".