ومِثلُه في الكلامِ أن تقولَ: عندي دابتان أركبُهما وأستَقِي عليهما. وإنما تَركبُ إحداهما وتَسْتَقِي على الأُخْرى. قال: وهذا من سَعةِ العربيةِ التي يُحتجُّ بسَعتِها في الكلامِ. قال: والوجهُ الآخرُ، أن يشترِكا جميعًا في ألا يكونَ عليهما جُناحٌ، إذْ كانت تُعطِي ما قد نُفِيَ عن الزوجِ فيه الإثمُ، اشترَكت فيه؛ لأنها إذا أعطتْ ما يُطرحُ فيه المأثمُ احتاجتْ إلى مثلِ ذلك.
قال أبو جعفرٍ: فلم يُصِبِ الصوابَ في واحدٍ مِن الوجهين، ولا في احتجاجِه بما احتجَّ به مِن قولِه: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾. فأما قولُه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ فقد بينّا وجهَ صوابِه، وسنُبَيِّنُ وجهَ قولِه: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ في موضعِه إذا أتينا عليه، إن شاء اللهُ.
وإنما خَطَّأْنا قولَه ذلك؛ لأن اللهَ ﵎ قد أخبرَ عن وضعِه الحرجَ عن الزوجيْنِ إذا افتدت المرأةُ مِن زوجِها على ما أذِنَ، وأخبرَ عن البحرين أن منهما يخرُجُ اللؤلؤُ والمرجانُ، فأضاف الخبرَ (١) إلى اثنيْن. فلو جازَ لقائلٍ أن يقولَ: إنما أريدَ به الخبرُ عن أحدِهما فيما لم يكنْ مُستحيلًا أن يكونَ عنهما، جازَ في كلِّ خبرٍ كانَ عن اثنينِ - غيرُ مُستحيلةٍ صحتُه أن يكونَ عنهما - أن يقالَ: إنما هو خبرٌ عن أحدِهما.
وذلك قلبُ المفهومِ من كلامِ الناسِ والمعروفِ من استعمالِهم في مخاطباتِهم. وغيرُ جائزٍ حملُ كتابِ اللهِ ﷿ ووَحْيِه جلَّ ذكرُه على الشواذِّ من الكلامِ، وله في المفهومِ الجارِي بين الناسِ وجهٌ صحيحٌ موجودٌ.
ثم اختلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾.
أمَعنيٌّ به أنهما موضوعٌ عنهما الجُناحُ في كلِّ ما افتدتْ به المرأةُ نفسَها من شيءٍ أم في