للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن مِن تأويلِ القرآنِ ما لا يُدْرَكُ علمُه إلا ببيانِ الرسولِ ، وذلك تفصيلُ (١) جُمَلِ ما في آيِه، مِن أمرِ اللَّهِ ونهيِه، وحلالِه وحرامِه، وحدودِه وفَرائضِه، وسائرِ معاني شرائعِ دينِه، الذي هو مُجْمَلٌ في ظاهرِ التنزيلِ، وبالعبادِ إلى تفسيرِه الحاجةُ، لا يُدْرَكُ علمُ تأويلِه إلا ببيانٍ مِن عندِ اللَّهِ على لسانِ رسولِ اللَّهِ ، وما أشبَه ذلك مما تَحْوِيه آيُ القرآنِ، مِن سائرِ حُكْمِه الذي جعَل اللَّهُ بيانَه لخلقِه إلى رسولِه ، فلا يَعْلَمُ أحدٌ مِن خلقِ اللَّهِ تأويلَ ذلك إلا ببيانِ الرسولِ ، ولا يَعْلَمُه رسولُ اللَّهِ إلا بتعليمِ اللَّهِ ذلك إياه بوحيِه إليه، إما مع جبريلَ، أو مع مَن شاء مِن رسلِه إليه. فذلك هو الآيُ التي كان رسولُ اللَّهِ يُفَسِّرُها لأصحابِه بتعليمِ جبريلَ إياه، وهن لا شكَّ آيٌ ذواتُ عَدَدٍ.

ومِن آيِ القرآنِ ما قد ذكَرْنا أن اللَّهَ جلَّ ثناؤُه اسْتَأْثَر بعلمِ تأويلِه، فلم يُطْلِعْ على علمِه مَلَكًا مُقَرَّبًا، ولا نبيًّا مرسلًا، ولكنهم يُؤْمِنون بأنه مِن عندِه، وأنه لا يَعْلَمُ تأويلَه إلا اللَّهُ.

فأما ما لا بُدَّ للعبادِ مِن علمِ تأويلِه، فقد بيَّن لهم نبيُّهم ببيانِ اللَّهِ ذلك له بوحيِه مع جبريلَ، وذلك هو المعنى الذي أمَره اللَّهُ ببيانِه (٢) لهم، فقال له جلّ ذكرُه: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤].

ولو كان تأويلُ الخبرِ عن رسولِ اللَّهِ أنه كان لا يُفَسِّرُ مِن القرآنِ شيئًا إلا آيًا بعددٍ - هو ما يَسْبِقُ إليه أوهامُ أهلِ الغَباءِ مِن أنه لم يكنْ يُفَسِّرُ مِن القرآنِ إلا القليلَ


(١) في م: "يفصل".
(٢) في ص، ر، ت ١، ت ٢: "بيانه".