للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استكمالِه الأربعين مِن سِنِيه، وبُلوغِه أَشُدَّه، ما يُعْلِمُ أنه لم يَعْنِ اللَّهُ بهذه الآيةِ صفةَ جميعِ عبادِه، بل يُعْلِمُ أنه إنما وصَف بها بعضًا منهم دونَ بعضٍ، وذلك ما لا يُنْكِرُه ولا يَدْفَعُه أحدٌ؛ لأن مَن يُولَدُ مِن الناسِ لتسعةِ أشهرٍ أكثرُ ممَّن يُولَدُ لأربعِ سنين ولسنتين، كما أن مَن يُولَدُ لتسعةِ أشهرٍ أكثرُ ممَّن يُولَدُ لستةِ أشهرٍ، ولسبعةٍ.

واختَلَفَتِ القَرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأه عامَّةُ أهلِ المدينةِ والعراقِ والشامِ: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾. بالياءِ في ﴿يُتِمَّ﴾، ونصبِ ﴿الرَّضَاعَةَ﴾. بمعنى: لمن أراد مِن الآباءِ والأمهاتِ أن يُتِمَّ رَضاعَ ولدِه.

وقرَأه بعضُ أهلِ الحجازِ: (لمَنْ أرَادَ أنْ تَتِمَّ الرَّضَاعَةُ). بالتاءِ في "تتم"، ورفعِ "الرضاعة" بصفتِها (١).

والصوابُ مِن القراءةِ في ذلك عندَنا قراءةُ مَن قرَأ بالياءِ في ﴿يُتِمَّ﴾ ونصبِ ﴿الرَّضَاعَةَ﴾؛ لأن اللَّهَ تعالى ذكرُه قال: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ فكذلك هن يُتْمِمْنَها إذا أرَدْنَ هن والمولودُ له إتمامَها، وأنها القراءةُ التي جاء بها النقلُ المُسْتَفِيضُ الذي ثبتَت به الحُجَّةُ دونَ القراءةِ الأخرى.

وقد حُكِي في الرضاعةِ سَماعًا مِن العربِ كسرُ الراءِ التي فيها، وإن تَكُنْ صَحيحةً فهي نَظيرةُ الوَكالةِ والوِكالةِ، والدَّلالةِ والدِّلالةِ (٢)، ومهَرْتُ الشيءَ مَهارَةً ومِهارةً، فيَجوزُ حينَئذٍ الرَّضاعُ والرِّضاعُ، كما قيل: الحَصادُ والحِصادُ. وأما القراءةُ


(١) وهي قراءة مجاهد والحسن وحميد بن قيس وابن محيصن وأبي رجاء، وهي من القراءات الشاذة. ينظر البحر المحيط ٢/ ٢١٣.
(٢) بعده في ص: "والدلالة".