للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾.

يعني تعالى ذكرُه بذلك: والذين يُتَوَفَّوْن منكم مِن الرجالِ أيُّها الناسُ، فيَمُوتُون ويَذَرُون أزْواجًا، يَتَرَبَّصُ (١) أزواجُهن بأنفسِهن.

فإن قال قائلٌ: فأين الخبرُ عن الذين يُتَوَفَّوْن؟ قيل: متروكٌ؛ لأنه لم يَقْصِدْ قَصْدَ الخبرِ عنهم، وإنما قصَد قَصْدَ الخبرِ عن الواجِب على المعْتدَّاتِ مِن العِدَّةِ في وفاةِ أزْواجِهن، فصُرف الخبرُ عن الذين ابْتُدِئ بذكرِهم مِن الأمواتِ إلى الخبرِ عن أزواجِهم والواجبِ عليهن مِن العِدَّةِ، إذ كان مَعْروفًا مفهومًا معنى ما أُرِيدَ بالكلامِ. وهو نَظيرُ قولِ القائلِ في الكلامِ: بعضُ جُبَّتِك مُتَخَرِّقةٌ. في تركِ الخبرِ عمَّا ابْتُدئ به الكلامُ إلى الخبرِ عن بعضِ أسْبابِه. وكذلك الأزْواجُ اللَّواتي عليهن التَّرَبُّصُ؛ لمَّا كان إنما ألْزَمَهن التربصَ بأسبابِ أزواجِهن، صرَف الكلامَ عن خبرِ مَن ابْتُدِئ بذكرِه إلى الخبرِ عمَّن قصَد قصْدَ الخبرِ عنه، كما قال الشاعرُ (٢):

لَعَلِّيَ إن مالَتْ بيَ الريحُ مَيْلةً … على ابن أبي ذِبَّانَ (٣) أن يَتَنَدَّمَا

فقال: لعلِّي. ثم قال: أن يَتَنَدَّما. لأن معنى الكلامِ: لعل ابنَ أبي ذِبَّانَ (٣) أن يَتَنَدَّمَ إن مالتْ بي الريحُ مَيْلةً عليه. فرجَع بالخبرِ إلى الذي أراد به، وإن كان قد ابْتَدَأ بذكرِ غيرِه. ومنه قولُ الشاعرِ (٤):

ألم تَعْلَموا أن ابنَ قيسٍ وقَتْلَهُ … بغيرِ دمٍ دارُ المَذَلَّةِ حُلَّتِ


(١) في م: "يتربصن".
(٢) هو ثابت قطنة، واسمه ثابت بن كعب العتكي، والبيت في معاني القرآن للفراء ١/ ١٥٠، وتاريخ المصنِّف ٦/ ٦٠٣، والصاحبي ص ٣٥٩.
(٣) في م: "زبان"، وفي ت ١، ت ٢، ت ٣: "ريان". وأبو ذبان هو عبد الملك بن مروان، وابنه هو مسلمة بن عبد الملك.
(٤) معاني القرآن للفراء ١/ ١٥٠، والصاحبي ص ٣٦٠، والبحر المحيط ٢/ ٢٢٢، ولم ينسبه أحد منهم، وعند ثلاثتهم "بني أسد" بدل "ألم تعلموا".