قالوا: وأما الخبرُ الذي رُوِي عن أسماءَ ابنةِ عُمَيْسٍ، عن رسولِ اللَّهِ ﷺ مِن أمْرِه إياها بالتَّسَلُّبِ ثلاثًا، ثم أن تَصْنَعَ ما بدا لها، فإنه غيرُ دالٍّ على ألا حِدادَ على المرأةِ، بل إنما دَلَّ على أمْرِ النبيِّ ﷺ إياها بالتَّسَلُّبِ ثلاثًا، ثم العملِ بما بدا لها مِن لُبْسِ ما شاءت مِن الثيابِ، مما يَجوزُ للمعتدةِ لُبْسُه، مما لَمْ يَكُنْ زينةً ولا تَطَيُّبًا؛ لأنه قد يَكونُ مِن الثيابِ ما ليس بزينةٍ ولا ثيابِ تسَلُّبٍ، وذلك كالذي أذِن ﷺ للمُتوفَّى عنها أن تَلْبَسَ مِن ثيابِ العَصْبِ وبُرودِ اليمنِ، فإن ذلك لا مِن ثيابِ زينةٍ، ولا مِن ثيابِ تسلُّبٍ، وكذلك كلُّ ثوبٍ لَمْ يَدْخُلْ عليه صِبْغٌ بعدَ نَسْجِه مما يَصْبُغُه الناسُ لتزيينِه، فإن لها لُبْسَه؛ لأنها تَلْبَسُه غيرَ متزيِّنةٍ الزينةَ التي يَعْرِفُها الناسُ.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قيل: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾. ولم يُقَلْ: وعشرةً؟ وإذ كان التنزيلُ كذلك، أفبالليالي تَعْتَدُّ المتوفَّى عنها العشرَ، أم بالأيامِ؟ قيل: بل تَعْتَدُّ بالأيامِ بلياليها. فإن قال: فإذ كان ذلك كذلك، فكيف قيل: ﴿وَعَشْرًا﴾. ولم يُقَلْ: وعشرةً. والعشرُ بغيرِ الهاءِ مِن عددِ الليالي دونَ الأيامِ؟ فإن جاز (١) ذلك المعنى فيه ما قلتَ، فهل تُجِيزُ: عندي عشرٌ. وأنتَ تُرِيدُ عشرةً مِن رجالٍ ونساءٍ؟
قلتُ: ذلك جائزٌ في عددِ الليالي والأيامِ، وغيرُ جائزٍ مثلُه في عددِ بني آدمَ مِن الرجالِ والنساءِ؛ وذلك أن العربَ في الأيامِ والليالي خاصةً، إذا أبْهَمَت العددَ غَلَّبَت فيه الليالي، حتى إنهم فيما رُوِي لنا عنهم لَيَقُولون: صُمْنا عشرًا مِن شهرِ رمضانَ. لتَغْليبِهم اللياليَ على الأيامِ، وذلك أن العددَ عندَهم قد جرَى في ذلك بالليالي دونَ الأيامِ، فإذا أظْهَروا مع العددِ مُفَسِّرَه، أسْقَطوا مِن عددِ المؤنثِ الهاءَ، وأُثْبَتُوها في