للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأن اللَّهَ تعالى ذكرُه لمَّا قال: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾. كان ذلك دليلًا على أن لكلِّ مطلَّقةٍ متاعًا سوى مَن اسْتَثْناه اللَّهُ تعالى ذكرُه في كتابِه، أو على لسانِ رسولِه ، فلمَّا قال: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ كان في ذلك دليلٌ عندَهم على أن حقَّها النصفُ مما فرَض لها؛ لأن المتعةَ جعَلها اللَّهُ في الآيةِ التي قبلَها عندَهم لغيرِ المفروضِ لها، فكان معلومًا عندَهم بخصوصِ اللَّهِ بالمتعة غيرَ المفروضِ لها أن (١) حُكمَها غيرُ حُكمِ التي لم يَفْرِضْ لها، إذا طلَّقها قبلَ المَسِيسِ، فيما لها على الزوجِ مِن الحقوقِ.

والذي هو أولى بالصوابِ مِن القولِ في ذلك عندي قولُ مَن قال: لكلِّ مطلَّقةٍ متعةٌ. لأن اللَّهَ تعالى ذكرُه قال: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾. فجعَل اللَّهُ تعالى ذكرُه ذلك لكلِّ مطلَّقةٍ، ولم يَخْصُصْ منهن بعضًا دونَ بعضٍ، فليس لأحدٍ إحالةُ ظاهرِ تنزيلٍ عامٍّ إلى باطنٍ خاصٍّ، إلا بحُجَّةٍ يَجِبُ التسليمُ لها.

فإن قال قائلٌ: فإن اللَّهَ تعالى ذكرُه قد خصَّ المطلقةَ قبلَ المَسِيسِ إذا كان مفروضًا لها بقولِه: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ (٢) وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾. إذ لم يَجْعَلْ لها غيرَ النصفِ الفَرِيضةِ.

قيل: إن اللَّهَ تعالى ذكرُه إذا دلَّ على وجوبِ شيءٍ في بعض تنزيلِه، ففي دَلالتهِ على وجوبِه في الموضعِ الذي دلَّ عليه الكفايةُ عن تكريرِه، حتى يَدُلَّ على بُطولِ فرضِه، وقد دلَّ بقولِه: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾. على وجوبِ المتعةِ لكلِّ


(١) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) في ص، ت ١، ت ٣: "تماسوهن".