للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى ذكرُه: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾. فأوْجَب المتعةَ للصِّنْفَين منهن جميعًا؛ المفروضِ لهن، وغيرِ المفروضِ لهن. فمن ادَّعَى أن ذلك لأحدِ الصِّنْفَين، سُئِل البُرْهَانَ على دَعْواه مِن أصلٍ أو نَظيرٍ، ثم عُكِس عليه القولُ في ذلكَ، فلن يقولَ في شيءٍ منه قولًا إلا أُلْزِم في الآخرِ مثلَه.

وأرَى أن المتعةَ للمرأةِ حقٌّ واجبٌ إذا طُلِّقَت، على زوجِها المطلِّقِها - على ما بيَّنا آنفًا - يُؤْخَذُ بها الزوجُ، كما يُؤْخَذُ بصَداقِها، لا يُبْرِئُه منها إلا أداؤُه إليها، أو إلى مَن يَقومُ مَقامَها في قبضِها منه، أو ببراءةٍ تكونُ منها له. وأَرَى أن سبيلَها سبيلُ صَداقِها وسائرِ دُيونِها قِبَلَه، يُحْبَسُ بها (١) إن طلَّقَها فيها، إذا لم يكنْ له شيءٌ ظاهرٌ يُباعُ عليه، إذا امْتَنَع مِن إعطائِها ذلك.

وإنما قلْنا ذلك؛ لأن اللَّهَ تعالى ذكرُه قال: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾. فأمَر الرجالَ أن يُمَتِّعُوهن، وأمْرُه فرضٌ، إلا أن يُبَيِّنَ تعالى ذكرُه أنه عنَى به الندبَ والإرْشادَ، لما قد بيَّنّا في كتابِنا المُسَمَّى بـ "لطيفِ البيانِ عن أصولِ الأحكامِ"؛ لقوله: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾. ولا خلافَ بينَ جميعِ أهلِ التأويلِ أن معنى ذلك: وللمطلَّقاتِ على أزواجِهن متاعٌ بالمعروفِ. وإذا كان ذلك كذلك، فلن يَبْرَأَ الزوجُ مما لها عليه إلا بما وصَفْنا قبلُ؛ مِن أداءٍ أو إبْراءٍ (٢) على ما قد بيَّنّا.

فإن ظن ذو غَباءٍ أن اللَّهَ تعالى ذكرُه إذ قال: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ و ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾. أنها غيرُ واجبةٍ؛ لأنها لو كانت واجبةً لَكانت على المُحْسِنِ (٣) وغيرِ المُحْسِنِ (٣)، والمُتَّقِي وغيرِ المُتَّقِي؛ فإن اللَّهَ تعالى ذكرُه قد أمرَ جميعَ خلقِه بأن


(١) في م: "لها".
(٢) في ص: "براءة".
(٣) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "المحسنين".