للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحثَّ على المحافظةِ عليها حثًّا لم يَحُثُّ مثلَه على غيرِها مِن الصلواتِ، وإن كانتِ المحافظةُ على جميعِها واجبةً، فكان بيِّنًا بذلك أن التي خَصَّ (١) اللهُ بالحَثِّ على المحافظةِ عليها، بعدَ ما عَمَّ الأمرَ بها جميع المكتوباتِ، هي التي اتَّبَعَه فيها نبيُّه فخَصَّها مِن الحَضِّ عليها بما لم يَخْصُصْ به غيرَها مِن الصلواتِ، وحَذَّر أُمَّتَه مِن تضييعِها ما حلَّ بمَن قبلَهم مِن الأممِ التي وَصَف أمرَها، ووَعَدهم من الأجرِ على المحافظةِ عليها ضِعْفَيْ ما وَعَد على غيرِها من سائرِ الصلواتِ. وأحْسَبُ أن ذلك كان كذلك لأن الله تعالى ذِكُره جَعَل الليلَ سكنًا، والناسُ مِن شُغْلِهم بطَلَبِ المعاشِ والتَّصرُّفِ (٢) في أسباب المكاسب هادئون، إلا القليل منهم، وللمحافظةِ على فرائضِ اللهِ وإقامِ الصلواتِ المكتوباتِ فارِغون (٣). وكذلك ذلك في صلاةِ الصبحِ؛ لأن ذلك وقتٌ قليلٌ مَن يَتَصَرَّفُ فيه للمكاسبِ والمطالبِ، ولا مُؤنَةَ عليهم في المحافظةِ عليها. وأما صلاةُ الظهرِ، فإن وقتَها وقتُ قائِلَةِ الناسِ واستراحتِهم مِن مطالبِهم، في أوقاتِ شدَّةِ الحرِّ وامتدادِ ساعاتِ النهارِ، ووقتُ توديعِ (٤) النُّفوسِ، والتَّفرُّغِ لراحةِ الأبدانِ في أوانِ البردِ وأيامِ الشتاءِ. وأن المعروفَ مِن الأوقاتِ لتصرُّفِ الناسِ في مطالبِهم ومكاسبِهم والاشتغالِ بسَعْيِهم لما لا بدَّ منه لهم مِن طَلَبِ أقواتِهم، وقْتانِ مِن النهارِ؛ أحدُهما: أولُ النهارِ بعدَ طُلوعِ الشمسِ إلى وقتِ الهاجِرَةِ، وقد خَفَّف اللهُ تعالى ذِكُره فيه عن عباده عِبْءَ تكليفِهم (٥) في ذلك الوقتِ، وثِقَلَ ما


(١) في م: "حض".
(٢) بعده في ص، ت ١، ت ٢: "و".
(٣) في م: "فازعون".
(٤) التوديع: الراحة. تاج العروس (و د ع).
(٥) في ت ١، ت ٢: "تكلفهم".