للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني: من قبلِ مجيءِ يومٍ ﴿لَا بَيْعٌ فِيهِ﴾. يقول: لا تَقْدِرون فيه على ابْتِياعِ ما كنتم على ابْتياعِه بالنفقةِ من أموالِكم التي أمَرْتُكم بها (١) و (٢) نَدَبْتُكم إليها (٣) في الدنيا قادِرين؛ لأنه يومُ جزاءٍ وثوابٍ وعِقابٍ، لا يومُ عملٍ واكتسابٍ وطاعةٍ ومعصيةٍ، فيكونَ لهم إلى ابْتِياعِ منازلِ أهلِ الكرامةِ بالنفقةِ حينَئذٍ، أو بالعملِ بطاعةِ اللهِ، سبيلٌ.

ثم أَعلَمهم تعالى ذِكرُه أن ذلك اليومَ - مع ارتفاع العملِ الذي يُنالُ به رضا اللهِ، أو الوصولُ إلى كرامتِه بالنفقةِ من الأموالِ، إذ كان لا مالَ هنالك يمكنُ إدراكُ ذلك به - يومٌ لا مُخالَّةَ فيه نافعةٌ، كما كانت في الدنيا، فإن خليلَ الرجل في الدنيا قد كان يَنْفَعُه فيها بالنُّصْرةِ له على من حاولَه بمكروهٍ وأرادَه بسُوءٍ، والمظاهرةِ له على ذلك. فآيَسَهم تعالى ذكرُه أيضًا من ذلك؛ لأنه لا أحدَ يومَ القيامةِ يَنْصُرُ أحدًا من اللهِ، بل الأَخِلَّاءُ بعضُهم لبعضٍ عدوٌّ إلا المُتَّقِين، كما قال اللهُ تعالى ذكرُه (٤). وأخبرَهم أيضًا أنهم يومئذٍ - مع فقدِهم السبيلَ إلى ابتْياعِ ما كان لهم إلى ابْتياعِه سبيلٌ في الدنيا بالنفقةِ من أموالِهم والعملِ بأبدانِهم، وعَدَمِهم النُّصَراءَ من الخُلّانِ، والظُّهَراءَ من الإخوانِ - لا شافعَ لهم يَشْفَعُ عند اللهِ، كما كان ذلك لهم في الدنيا، فقد كان بعضُهم يَشْفَعُ في الدنيا لبعضٍ بالقرابةِ والجِوارِ والخُلّةِ، وغير ذلك من الأسبابِ، فبطَل ذلك كلُّه يومئذٍ، كما أخبَرَ تعالى ذكرُه عن قيلِ أعدائِه من أهلِ الجحيمِ في الآخرةِ إذا صارُوا فيها: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ [الشعراء: ١٠٠، ١٠١].

وهذه الآيةُ مَخْرَجُها في الشفاعةِ عامٌّ، والمرادُ بها خاصٌّ، وإنما معناه: من قبْلِ أن يَأْتيَ يومٌ لا بيعٌ فيه ولا خُلّةٌ، ولا شفاعةٌ لأهلِ الكفرِ باللهِ؛ لأنَّ أهلَ وِلايةِ اللهِ والإيمانِ به


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "به".
(٢) في م: "أو".
(٣) في النسخ: "إليه".
(٤) يشير إلى الآية (٦٧) من سورة الزخرف.