للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَشْفَعُ بعضُهم لبعضٍ. وقد بَيَّنَّا صحةَ ذلك بما أَغنى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (١).

وكان قتادةُ يقولُ في ذلك بما حدَّثنا به بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ﴾: قد عَلِمَ اللهُ أن ناسًا يَتحابُّون في الدنيا، ويَشْفَعُ بعضُهم لبعضٍ، فأمّا يومُ القيامةِ فلا خُلَّةَ إِلا خُلَّةَ المتقين (٢).

وأما قولُه: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. فإنه يعنى تعالى ذكره بذلك: والجاحِدون للهِ المُكَذِّبُون به وبرسلِه ﴿هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، يقولُ: هم الواضِعون جُحودَهم في غيرِ مَوْضِعِه، والفاعلُون غير ما لهم فعلُه، والقائلون ما ليس لهم قولُه.

وقد دلَّلْنا على معنى الظلمِ بشواهدِه فيما مضَى قبلُ بما أَغنَى عن إعادتِه (٣).

وفي قولِه تعالى ذكرُه في هذا الموضعِ: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. دَلالةٌ واضحةٌ على صحةِ ما قلْناه، وأن قولَه: وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ﴾. إنما هو مرادٌ به أهلُ الكفرِ، فلذلك أتْبَعَ قولَه ذلك: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. فدلَّ بذلك على أن معنى ذلك: حَرَمْنا الكفّارَ النُّصْرَةَ من الأخِلَّاءِ، والشَّفاعةَ مِن الأولياءِ والأقرباءِ، ولم نكنْ لهم في فعلِنا ذلك بهم ظالمِين، إذ كان ذلك جزاءً منَّا لما سلَف منهم من الكفر باللهِ في الدنيا، بل الكافرون هم الظالِمُون أَنفسَهم، بما أَتَوْا مِن الأفعالِ التي أَوجبوا لها العقوبةَ من ربِّهم.

فإن قال قائلٌ: وكيف صرَف الوعيدَ إلى الكفارِ والآيةُ مبتدَأةٌ بذكرِ أهلِ


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٦٣٢.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٤٨٥ (٢٥٦٥)، من طريق يزيد بن زريع به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٢٢ إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٣) ينظر ما تقدم في ١/ ٥٥٩، ٥٦٠.