للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جُموعكَ إلى ثلاثةِ أيامٍ، فجمَع الجبارُ جُموعَه، فأمَر اللَّهُ الملَكَ، ففتَح عليه بابًا من البَعوضِ، فطلَعتِ الشمسُ فلم يَرَوْها من كَثْرتِها، فبعَثها اللَّهُ عليهم، فأكلَتْ لُحومَهم، وشَرِبَت دماءَهم، فلم يَبْقَ إلا العِظامُ، والملِكُ كما هو لم يُصِبْه من ذلك شيءٌ، فبعَث اللَّهُ عليه بَعوضةً، فدخَلت في مَنْخَرِه، فمكَث أربعَمائةِ سنةٍ يُضْرَبُ رأسُه بالمَطارقِ، وأَرْحمُ الناسِ به من جمَع يدَيْه وضَرَب بهما رأسَه، وكان جبارًا أربعَمائةِ عامٍ، فعذَّبه اللَّهُ أربعَمائةِ سنةٍ كمُلكِه (١)، وأماتَه اللَّهُ، وهو الذي بني صرحًا إلى السماءِ، فأتى اللَّهُ بنيانَه مِن القواعدِ، وهو الذي قال اللَّهُ: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾ (٢) [النحل: ٢٦].

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: حدَّثني عبدُ الرحمنِ بنُ زيدِ بن أسلمَ في قولِ اللَّهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾. قال: هو نُمْروذُ بنُ كَنْعانَ، كان بالمَوْصلِ والناسُ يَأْتُونه، فإذا دخَلوا عليه، قال: مَن ربُّكم؟ فيَقُولون: أنتَ. فيقولُ: أمِيرُوهم (٣). فلما دخَل إبراهيمُ ومعه بعيرٌ خرَج يَمْتازُ به لولدِه، قال: فعرَضهم كلَّهم، فيَقُولُ: مَن ربُّكم؟ فيَقُولون: أنتَ. فيَقولُ: أمِيروهم. حتى عرَض إبراهيمَ مرتين، فقال: مَن ربُّك؟ قال: ربيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ. قال: أنا أُحْيى وأُمِيتُ؛ إن شِئْتُ قَتَلْتُك فأَمَتُّك، وإن شِئْتُ اسْتَحْيَيْتُك. فقال إبراهيمُ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. قال: أخرِجوا هذا فلا تُمِيرُوه شيئًا. فخرَج القومُ كلُّهم قد


(١) في الأصل: "كعدد ملكهـ".
(٢) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٢٨٧، وابن أبي حاتم - مختصرا - في تفسيره ٢/ ٤٩٩ (٢٦٣٨) عن الحسن به، وهو في تفسير عبد الرزاق ١/ ١٠٥، وأخرجه ابن عساكر ٦/ ١٧٨ من طريق حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٣١ إلى ابن المنذر.
(٣) في ص، م: "ميروهم". وأماره وماره بمعنى. التاج (م ي ر).