للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في معنى ذلك الفرقِ، فدلّ أحدُهما على أن ذلك في الدنيا، ودلَّ الآخرُ على أنه في الآخرةِ.

فإن قال: فأيُّ هذين التأويلَيْن أولى عندَك بالصحةِ؟

قيل: لجميعِهما عندَنا في الصحةِ مَخْرَجٌ، فلا وجهَ لقولِ قائلٍ: أيُّهما أولى بالصحةِ؟ وذلك أن المعنى الذي في تسميةِ اللَّهِ بالرحمنِ، دونَ الذي في تسميتِه بالرحيمِ، هو أنه بالتسميةِ بالرحمنِ موصوفٌ بعمومِ الرحمةِ جميعَ خلقِه، وأنه بالتسميةِ [بالرحيمِ موصوفٌ] (١) بخصوصِ الرحمةِ بعضَ خلقِه، إمَّا في كلِّ الأحوالِ، وإمَّا في بعضِ الأحوالِ، فلا شكَّ - إذ كان ذلك كذلك - أن ذلك الخصوصَ الذي في وصفِه بالرحيمِ لا يَسْتَحِيلُ عن معناه، في الدنيا كان ذلك أو في الآخرةِ، أو فيهما جميعًا.

فإذ كان صحيحًا ما قلنا مِن ذلك، وكان اللَّهُ جل ثناؤُه قد خصَّ عبادَه المؤمنين في عاجلِ الدنيا بما لطَف لهم (٢) مِن توفيقِه إياهم لطاعتِه، والإيمانِ به وبرسلِه، واتباعِ أمرِه واجتنابِ مَعاصيه، مما خُذِل عنه مَن أشْرَك به وكفَر، وخالفَ ما أُمِر به، وركِب معاصيَه، وكان مع ذلك قد جعَل جل ثناؤُه ما أعَدَّ في آجلِ الآخرةِ في جنانِه مِن النعيمِ المقيمِ، والفوزِ المبينِ، لمَن آمَن به، مِن رحمتِه في الدنيا والآخرةِ، مع ما قد عمَّهم به والكفارَ في الدنيا، مِن الإفضالِ والإحسانِ إلى جميعِهم؛ في البَسْطِ في الرزقِ، وتَسْخيرِ السحابِ بالغَيْثِ، وإخراجِ النباتِ مِن الأرضِ، وصحةِ الأجْسامِ والعقولِ، وسائرِ النِّعَمِ التي لا تُحْصَى، التي يَشْتَرِكُ فيها المؤمنون والكافرون، فربُّنا جل ثناؤُه رحمنُ


(١) في ر: "بالرحمن مخصوص".
(٢) في م: "بهم".