للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جميعِ خلقِه في الدنيا والآخرةِ، ورحيمُ المؤمنين خاصةً في الدنيا والآخرةِ.

فأما الذي عمَّ جميعَهم به في الدنيا مِن رحمتِه فكان رحمانًا (١) لهم به، فما ذكَرْنا مع نظائرِه التي لا سبيلَ إلى إحصائِها لأحدٍ مِن خلقِه، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: ٣٤، والنحل: ١٨]. وأما في الآخرةِ، فالذي عمَّ جميعَهم به فيها مِن رحمتِه فكان لهم رحمانًا، في (٢) تسويتِه بينَ جميعِهم جل ذكرُه في عدلِه وقضائِه، فلا يَظْلِمُ أحدًا منهم مثقالَ ذرةٍ، وإن تكُ حسنةً يضاعفْها (٣)، ويُوَفِّي (٤) كلَّ نفسٍ ما كسَبَت، فذلك معنى عمومِه في الآخرةِ جميعَهم برحمتِه الذي كان به رحمانًا في الآخرةِ.

وأما ما خصَّ به المؤمنين في عاجلِ الدنيا مِن رحمتِه الذي كان به رحيمًا لهم فيها، كما قال جل ذكرُه: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٣]. فما وصَفْنا مِن اللُّطْفِ لهم في دينِهم، فخصَّهم به دونَ مَن خذَله مِن أهلِ الكفرِ به. وأما ما خصَّهم به في الآخرةِ فكان به رحيمًا لهم دونَ الكافرين، فما وصَفْنا آنفًا (٥) مما أعَدَّ لهم دونَ غيرِهم مِن النعيمِ والكرامةِ التي تَقْصُرُ عنها الأمانيُّ.

وأما القولُ الآخرُ في تأويلِه فهو ما حدَّثنا به أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: حدَّثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، قال: حدَّثنا أبو رَوْقٍ، عن الضَّحَّاكِ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عباسٍ، قال: ﴿الرَّحْمَنِ﴾ الفعلانُ مِن الرحمةِ - وهو مِن كلامِ العربِ.


(١) في الأصل، ص، ر، ت ٢: "رحمن". وهذه الكلمة تجيء تارة في بعض المخطوطات مصروفة وتارة غير مصروفة والوجهان جائزان، كما نبه على ذلك أبو حيان في أول البحر المحيط، وقد اخترنا صرفها فيما يأتي من مواضع.
(٢) سقط من: م.
(٣) بعده في م: "ويؤت من لدنه أجرا عظيما".
(٤) في ص: "توفي"، وغير منقوطة في ر.
(٥) في ر: "أيضًا".