للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: الرقيقُ الرفيقُ بمَن أحَبَّ أن يَرْحَمَه، والبعيدُ الشديدُ على مَن أحَبَّ أن يَعْنُفَ عليه، وكذلك أسماؤُه كلُّها (١).

وهذا التأويلُ مِن ابنِ عباسٍ يَدُلُّ على أن الذي به ربُّنا رحمنٌ، هو الذي به رحيمٌ، وإن كان لقولِه: ﴿الرَّحْمَنِ﴾. مِن المعنى ما ليس لقولِه: ﴿الرَّحِيمِ﴾. لأنه جعَل معنى الرحمنِ بمعنى الرَّقيقِ (٢) على مَن رقَّ عليه، ومعنى الرحيمِ بمعنى الرَّفيقِ بمَن رفَق به.

والقولُ الذي روَيْناه في تأويلِ ذلك عن النبيِّ ، وذكَرْناه عن العرْزَميِّ (٣)، أشبهُ بتأويلِه مِن هذا القولِ الذي روَيْناه عن ابنِ عباسٍ. وإن كان هذا القولُ مُوافقًا معناه معنى ذلك، في أن للرحمنِ مِن المعنى ما ليس للرحيمِ، وأن للرحيمِ تأويلًا غيرَ تأويلِ الرحمنِ.

والقولُ الثالثُ في تأويلِ ذلك ما حدَّثني به عِمرانُ بنُ بَكَّارٍ الكَلَاعيُّ، قال: حدَّثنا يحيى بنُ صالحٍ، قال: حدَّثنا أبو الأزهرِ نصرُ بنُ عمرٍو اللَّخْميُّ مِن أهلِ فِلَسْطينَ، قال: سمِعْتُ عطاءً الخُراسانيَّ يقولُ: كان الرحمنَ، فلما اختُزِل الرحمنُ مِن اسمِه، كان الرحمنَ الرحيمَ (٤).

والذي أراد، إن شاء اللَّهُ، عطاءٌ بقولِه هذا، أن الرحمنَ كان مِن أسماءِ اللَّهِ التي لا يَتَسَمَّى بها أحدٌ مِن خلقِه، فلما تسَمَّى به الكذابُ مُسَيْلِمةُ - وهو اخْتِزالُه إياه، يعني اقْتِطاعَه مِن أسمائِه لنفسِه - أخْبَر اللَّهُ جل ثناؤُه أن اسمَه الرحمنُ الرحيمُ؛


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ٣٧ عن هذا الموضع.
(٢) في ص: "الرفيق".
(٣) في م: "العزرمي". وقد تقدم قوله في ص ١٢٦.
(٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٩ إلى المصنف. وينظر الفتح ٨/ ١٥٥.