للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولستُ بجِلْبٍ [جِلْبِ رَعْدٍ] (١) وقِرَّةٍ (٢) … ولا بصَفًا صَلْدٍ عن الخيرِ أَعْزَلِ

ثم رجَع جلّ ذكرُه إلى ذكرِ المنافقِين الذين ضرَب المثلَ لأعمالِهم، فقال: فكذلك أعمالُهم بمنزلةِ الصَّفْوانِ الذي كان عليه ترابٌ، فأصابه الوابلُ من المطرِ، فذهَب بما عليه من الترابِ، فترَكه نَقِيًّا لا ترابَ عليه ولا شيءَ، يَراهم المسلمون في الظاهرِ أن لهم أعمالًا، كما يُرَى الترابُ على هذا الصَّفْوانِ، بما يُراءُونهم به، فإذا كان يومُ القيامةِ وصارُوا إلى اللَّهِ اضْمَحَلَّ ذلك كلُّه؛ لأنه لم يكنْ للَّهِ، كما أذهَب الوابلُ من المطرِ ما كان على الصَّفْوانِ مِن الترابِ، فترَكه أملسَ لا شيءَ عليه، فذلك قولُه: ﴿يَقْدِرُونَ﴾ يعنى به الذين يُنْفِقون أموالَهم رئاءَ الناسِ، ولا يُؤْمِنون باللَّهِ ولا باليومِ الآخرِ. يقولُ: لا يَقْدِرُون يومَ القيامةِ على ثوابِ شيءٍ مما كسَبوا في الدنيا؛ لأنهم لم يَعملُوه (٣) لمَعادِهم، ولا طلبِ (٤) ما عند اللَّهِ في الآخرةِ، ولكنهم عمِلوه رِئَاءَ الناسِ، وطلبَ حَمْدِهم، فإنما حظُّهم من أعمالِهم ما أرادُوه وطلَبُوه بها، ثم أخبرَ جلّ ثناؤه أنه ﴿لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ يقولُ: لا يُسَدِّدُهم لإصابةِ الحقِّ في نَفَقاتِهم وغيرِها، فيُوَفِّقَهم لها، وهم للباطلِ عليها مُؤْثِرون، ولكنه يترُكُهم (٥) في ضَلالتِهم يَعْمَهُون، فقال جل ثناؤُه للمؤمنين: لا تكونوا كالمنافقِين الذين هذا المَثَلُ صفةُ أعمالِهم، فتُبْطِلُوا أجورَ صدَقاتِكم، بمنِّكم


(١) في م، واللسان (ج ل ب): "جلب ليل"، وفى الديوان واللسان (ع ز ل)، وإصلاح المنطق ص ٣٦: "جلب ريح".
والجلب: بكسر الجيم وضمها وبسكون اللام، السحاب الذي لا ماء فيه، وقيل: سحاب رقيق لا ماء فيه، وقيل: هو السحاب المعترض تراه كأنه جبل. اللسان (ج ل ب).
(٢) القِرَّةُ والقُرُّ: البرد الشديد.
(٣) في ص، م: "يعملوا".
(٤) في م: "لطلب".
(٥) في م: "تركهم".