للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحدٍ، فعاد إلى ما قد جعَله بمعنيين، فجَعله مثالَ ما هو بمعنًى واحدٍ، مع اختلافِ الألفاظِ.

ولا شكَّ أن ذا الرحمةِ هو الذي قد (١) ثبَت أن له الرحمةَ، وصحَّ أنها له صفةٌ، وأن الراحمَ هو الموصوفُ بأنه سيَرْحَمُ، أو قد رحِم فانْقَضَى ذلك منه، أو هو فيه، ولا دَلالةَ (٢) فيه حينَئذٍ أن الرحمةَ له صفةٌ، كالدَّلالةِ على أنها له صفةٌ، إذا وُصِف بأنه ذو الرحمةِ. فأين معنى الرحمنِ الرحيمِ - على تأويله - مِن معنى الكلمتين تأْتِيان مُقَدَّرَتَيْن مِن لفظٍ واحدٍ باختلافِ الألفاظِ واتفاقِ المعاني؟ ولكن القولَ إذا كان على غيرِ أصلٍ مُعْتَمَدٍ عليه كان واضحًا عَوارُه.

وإن قال لنا قائلٌ: ولمَ قدَّم اسمَ اللَّهِ الذي هو اللَّهُ على اسمِه الذي هو الرحمنُ، واسمَه الذي هو الرحمنُ على اسمِه الذي هو الرحيمُ؟

قيل: لأن مِن شأنِ العربِ إذا أرادوا الخبرَ عن مُخْبَرٍ عنه أن يُقَدِّموا اسمَه، ثم يُتْبِعوه صفاتِه ونعوتَه، وهذا هو الواجبُ في الحكمِ، أن يكونَ الاسمُ مُقَدَّمًا قبلَ نعتِه وصفتِه؛ ليَعْلَمَ السامعُ الخبرَ عمَّن الخبرُ.

فإذ كان ذلك، كذلك وكان للَّهِ جل ذكرُه أسماءٌ قد حرَّم على خلقِه أن يَتَسَمَّوْا بها، خصَّ بها نفسَه دونَهم، وذلك مثلُ اللَّهِ والرحمنِ والخالقِ، وأسماءٌ أباح لهم أن يُسَمِّيَ بعضُهم بعضًا بها، وذلك كالرحيمِ والسميعِ والبصيرِ والكريمِ وما أشْبَهَ ذلك مِن الأسماءِ - كان الواجبُ أن تُقَدَّمَ أسماؤُه التي هي له خاصةٌ دونَ جميعِ خلقِه؛ ليَعْرِفَ السامعُ ذلك مَن توَجَّه إليه الحمدُ والتمجيدُ، ثم يُتْبَعَ ذلك بأسمائِه التي قد تَسَمَّى بها غيرُه، بعدَ علمِ المُخاطَبِ أو السامعِ مَن توَجَّه إليه ما يَتْلُو ذلك مِن المعاني.


(١) سقط من: م.
(٢) بعده في م: "له".