للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبَدأ اللَّهُ جل ذكرُه باسمِه الذي هو اللَّهُ؛ لأن الأُلوهةَ ليست لغيرِه جل ثناؤُه من وجهٍ مِن الوجوهِ، لا مِن جهةِ التَّسَمِّي به، ولا مِن جهةِ المعنى، وذلك أنّا قد بيَّنا أن معنى "اللَّهِ" جلّ ثناؤُه معنَى (١) المعبودِ، ولا معبودَ غيرُه جل ثناؤُه، وأن التَّسَمِّيَ به قد حرَّمه اللَّهُ جل ثناؤُه، وإن قصَد المُتَسَمِّي به ما قَصَد (٢) المُتَسَمِّي بسعيدٍ وهو شقيٌّ، وبحسنٍ وهو قبيحٌ.

أو لا تَرَى أن اللَّهَ جل ثناؤه قال في غيرِ آيةٍ من كتابِه: ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ [النمل: ٦٠، ٦١، ٦٢، ٦٣، ٦٤]. فاسْتَكْبَر ذلك مِن المُقِرِّ به. وقال تعالى في خُصوصِه (٣) نفسَه باللَّهِ وبالرحمنِ: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء: ١١٠]. ثم ثنَّى ذلك (٤) باسمِه الذي هو الرحمنُ، إذ كان قد منَع أيضًا خلقَه التَّسَمِّيَ به، وإن كان مِن خلقِه مَن قد يَسْتَحِقُّ تسميتَه ببعضِ مَعانيه، وذلك أنه قد يَجوزُ وصفُ كثيرٍ ممَّن هو دونَ اللَّهِ مِن خلقِه ببعضِ صفاتِ الرحمةِ، وغيرُ جائزٍ أن يَسْتَحِقَّ بعضَ الألوهةِ أحدٌ دونَه، فلذلك جاء الرحمنُ ثانيًا (٥) لاسمِه الذي هو اللَّهُ.

وأما اسمُه الذي هو الرحيمُ، فقد ذكَرْنا أنه مما هو جائزٌ وصفُ غيرِه به، والرحمةُ مِن صفاتِه جل ذكرُه، فكان - إذ كان الأمرُ على ما وصَفْنا - واقعًا مَواقعَ نعوتِ الأسماءِ اللواتي هن (٦) توابعُها، بعدَ تقدمِ الأسماءِ عليها.


(١) في م: "هو".
(٢) في ص، م: "يقصد".
(٣) في م: "خصوصية".
(٤) سقط من: م.
(٥) في ص: "ثابتا".
(٦) في ر، ت ١: "هو".