فكان إلحاقُ ذلك بمعنى ما قبلَه من مسألتِهم التَّيْسيرَ في الدِّينِ، أَوْلَى مما خالَف ذلك المعنى.
[فإن قال قائلٌ: أو كان جائزًا أن يُكَلِّفَهم ما لا طاقةَ لهم به فيَسْأَلُوه ألا يُكَلِّفَهم ذلك؟
قيل: إن تَكْليفَ ما لا يُطاقُ على وجْهَين:
أحدُهما: ما ليس في بِنْيةِ المُكَلَّفِ احْتِمالُه، فذلك ما لا يَجوزُ تَكْليفُ الربِّ عبدَه بحالٍ، وذلك كتَكْليفِ الأعْمَى النَّظَرَ، وتكليفِ المُقْعَدِ العَدْوَ، فهذا النوعُ من التكليفِ هو الذي لا يَجوزُ أن يُضافَ إلى اللهِ جلَّ وعزَّ، ولا تَجُورُ مسَأَلْتُه صرفَه وتَخْفِيفَه عنه؛ لأن ذلك مسألةٌ مِن العبدِ ربَّه - إن سأله - ألا يَفْعَلَ ما قد أَعْلَمَه أَنه لا يَفْعَلُه به.
والوجه الثاني: ما في بِنْيةِ المكلَّفِ احْتِمالُه، غيرَ أنه يَحْتَمِلُه بمشقةٍ شَديدةٍ وكُلْفةٍ عظيمةٍ، مَخُوفٍ على مُكَلَّفِه التَّضْيِيعُ والتَّفْريطُ؛ لغلَظِ مِحْنتِه عليه فيه، وذلك كتكْليفِ قَرْضٍ مَن أصاب جسدَه بولٌ موضعَ البولِ الذي أصابه بمِقْراضٍ، وكإقامةِ خمسين صلاةً في اليومِ والليلةِ، وما أشْبَهَ ذلك مِن الأعمالِ التي وإن كانت الأبْدانُ لها مُحْتَمِلةً؛ فإن الأغْلَبَ مِن أمرِها خوفُ التَّضْييعِ عليها والتَّقْصيرِ، فذلك هو الذي سأَل المؤمنون ربَّهم ألا يُحَمِّلَهم، ورغِبوا إليه في تَخْفيفِه وتَيْسيرِه عليهم؛ لأن ذلك من الأمورِ التي لو أمَر اللهُ تعالى ذكرُه بها عبادَه وتعَبَّدهم بها كان عدْلًا منه، وتَخفيفُه ذلك عنهم فضلٌ منه تفَضَّل به عليهم، ورحمةٌ منه بهم، فرغِب المؤمنون إلى ربِّهم في تَعَطُّفِه عليهم بفضلِه ورحمتِه، وإن كانت المنزلةُ الأخرى عدلًا منه، إذ كان في تفَضُّلِه عليهم التخفيفُ، وفى عدلِه عليهم التشديدُ الذي لا يُؤْمَنُ معه هَلاكُهم] (١).