للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأُثْبِتَتْ حُجَجهنَّ وأدلَّتُهنَّ على ما جُعِلْنَ أدلّةً عليه؛ من حلالٍ وحرامٍ، ووعدٍ ووعيدٍ، وثوابٍ وعقابٍ، وأمرٍ وزَجْرٍ، وخبرٍ ومَثَلٍ، وعِظَةٍ وعِبَر، وما أشبهَ ذلك.

ثم وصَف جلَّ ثناؤُه هؤلاء الآياتِ المحكماتِ بأنهنَّ أُمُّ (١) الكتابِ، يَعْنى بذلك أنهنَّ أصلُ الكتابِ الذي فيه عمادُ الدينِ والفرائضُ والحدودُ، وسائرُ ما بالخلْقِ إليه الحاجةُ من أمرِ دينِهم، وما كُلِّفُوا من الفرائضِ [والحدودِ، وسائرِ ما يحتاجون إليه] (٢) في عاجلِهم وآجلِهم، وإنما سَمّاهنَّ أُمَّ الكتابِ لأنهنَّ مُعْظَمُ الكتابِ، ومَوضِعُ مَفْزَعِ أهلِه عندَ الحاجةِ إليه، وكذلك تفعلُ العرب، تُسَمِّى الجامعَ مُعْظَمَ الشيءِ أمًّا له، فتُسَمِّي رايةَ القومِ التي تجمعُهم في العساكرِ أمَّهم، والمُدَبِّرَ مُعْظَمَ أمرِ القريةِ والبلدةِ أمَّها. وقد بَيَّنَّا ذلك فيما مضَى بما أَغْنَى عن إعادتِه (٣).

ووحَّد ﴿أُمُّ الْكِتَابِ﴾، ولم يَجْمَع فيقولُ: هنَّ أمَّهاتُ الكتابِ. وقد قال: ﴿هُنَّ﴾؛ لأنَّه أراد: جميعُ الآياتِ المُحْكَماتِ أمُّ الكتابِ. لا أنَّ كلَّ آيةٍ منهنَّ أمُّ الكتابِ، ولو كان معنى ذلك أن كلَّ آية منهنَّ أمُّ الكتابِ، لكان لا شكَّ قد قِيل: هنّ أمّهاتُ الكتابِ. ونظيرُ قولِ اللهِ ﷿: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ - على التأويلِ الذي قلْنا في توحيدِ الأُمِّ، وهى خبرٌ [لِـ ﴿هُنَّ﴾] (٤) - قولُه تعالى ذكره: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ [المؤمنون: ٥٠]. ولَم يقُلْ: آيتَيْن. لأنَّ معناه: وجَعَلْنا جميعَهما آيةً. إذ كان المعنى [واحدًا فيما جيلا] (٥) فيه للخَلْقِ عبرةً، ولو كان مرادُه الخبرَ عن كلِّ واحدٍ منهما على انفرادِه بأنه جُعِل للخَلْق عبرةً، لقيل: وجعَلْنا ابنَ مريمَ


(١) في ص، ت ١، ت ٢: "من"، وفى م: "هن أم".
(٢) سقط من: الأصل، ص، م، ت ١، ت ٢.
(٣) ينظر ما تقدم في ١/ ١٠٥، ١٠٦.
(٤) في ص، س، ت ١، ت ٢: "لهم".
(٥) في م: "وإحداثهما جعلنا".