للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيرُ عالَمِ الزمانِ الذي بعدَه.

فإن غَبِي عن علمِ صحةِ ذلك بما قد قدَّمْنا ذو غَباءٍ، فإن في قولِ اللَّهِ جل ثناؤُه: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الجاثية: ١٦]. دلالةً واضحةً على أن عالَمَ كلِّ زمانٍ غيرُ عالَمِ الزمانِ الذي كان قبلَه وعالَمِ الزمانِ الذي بعدَه، إذ كان اللَّهُ جل ثناؤُه قد فضَّل أمةَ نبيِّنا محمدٍ على سائرِ الأمِ الخاليةِ، وأخْبَرَهم بذلك في قولِه: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ الآية [آل عمران: ١١٠]. فمعلومٌ بذلك أن بني إسرائيلَ في عصرِ نبيِّنا لم يكونوا مع تكذيبِهم به أفضلَ العالَمين، بل كان أفضلَ العالمين في ذلك العصرِ وبعدَه إلى قيامِ الساعةِ المؤمنون به المُتَّبِعون مِنْهاجَه، دونَ مَن سواهم مِن الأممِ المُكَذِّبةِ الضالَّةِ عن مِنْهاجِه.

وإذ كان بينًا فسادُ تأويلِ مُتَأوِّلٍ لو تأوَّل قولَه: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أنه معنيٌّ به أن اللَّهَ ربُّ عالَمِي زمنِ نبيِّنا محمدٍ ، دون عالَمِي سائرِ الأزمنةِ غيرِه - كان واضحًا فسادُ قولِ مَن زعَم أن تأويلَه: ربُّ عالَمِ الدنيا دون عالَمِ الآخرةِ. وأن: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ اسْتَحَقَّ الوصلَ به ليُعْلَمَ أنه في الآخرةِ مِن مِلْكِهم ورُبوبيتِهم بمثلِ الذي كان عليه في الدنيا.

ويُسْألُ زاعمُ ذلك الفرقَ بينَه وبينَ مُتَحَكِّمٍ مثلَه في تأويلِ قولِه: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ تحكَّم فقال (١): إنما عنَى بذلك أنه ربُّ عالَمِي زمانِ محمدٍ دون عالَمِي غيرِه مِن الأزمنةِ الماضيةِ قبلَه والحادثةِ بعدَه، كالذي زعَم قائلُ (٢) هذا القولِ


(١) بعده في م، ت ٢: "إنه".
(٢) سقط من: م، ت ٢.