للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ (١). ثم رَدُّوا تأويلَ المتشابِهِ (٢) على ما عرَفوا من تأويلِ المُحْكَمةِ التي لا تأويلَ لأحدٍ فيها إلا تأويلٌ واحدٌ، فاتَّسق بقولِهم الكتابُ، وصدَّق بعضُه بعضًا، فنَفَذتْ به الحُجّةُ، وظهَر به العذرُ، وزاح (٣) به الباطلُ، ودُمِغ به الكفرُ (٤).

فمن قال القولَ الأولَ في ذلك، وقال: إِنَّ الراسخين لا يَعْلَمون تأويلَ ذلك، وإنما أخبَر اللهُ عنهم بإيمانِهم وتصديقِهم بأنَّه مِن عندِ اللهِ، فإنه يَرْفَعُ "الرَّاسخين في العلمِ" بالابتداءِ في قولِ (٥) البصريِّين، ويَجعَلُ خبره ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾. وأمّا في قولِ بعضِ الكوفيِّين فبالعائِدِ مِن ذكرِهم في: ﴿يَقُولُونَ﴾. وفى قولِ بعضِهم بجملةِ الخبرِ عنهم وهى ﴿يَقُولُونَ﴾. ومَن قال القولَ الثانيَ، وزعَم أنَّ الراسخين في العلمِ يَعلَمُون تأويلَه، عطَف بـ"الرَّاسخين" على اسمِ "اللهِ"، فرفعَهم (٦) بالعطفِ عليه.

والصوابُ عندنا في ذلك أنهم مرفوعون بجملةِ خبرِهم بعدَهم، وهو: ﴿يَقُولُونَ﴾؛ لما قد بَيَّنَّا قبلُ مِن أنهم لا يَعلَمون تأويلَ المتشابِهِ الذي ذكَره اللهُ ﷿ في هذه الآيةِ، وهو فيما بلَغنى مع ذلك في قراءةِ أُبَيٍّ: (ويقولُ (٧) الرَّاسِحُونَ في العِلْمِ) (٨). كما ذكَرْناه عن ابن عباسٍ أنه كان يقرؤُه. وفي قراءةِ عبدِ اللهِ: (إِنْ


(١) بعده في سيرة ابن هشام: "فكيف يختلف وهو قول واحد من رب واحد".
(٢) في م: "المتشابهة".
(٣) زاح الشيء: بعُد وذهب، كانزاح بنفسه، تقول: أزحتُ علته فراحت. التاج (ز ي ح).
(٤) سيرة ابن هشام ١/ ٥٧٧، وذكره ابن كثير في تفسيره ٢/ ٨ عن ابن إسحاق به.
(٥) في ت ٢: "قولى".
(٦) في ت ٢: "فعرفهم".
(٧) في ت ٢: "يقولون".
(٨) ينظر المحرر الوجيز ٢/ ٣٤٢، وتفسير البحر المحيط ٢/ ٣٨٤.