للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ يعنى أنهم يقولون - رغبةً منهم إلى ربِّهم في أن يَصْرِفَ عنهم ما ابْتُلي به الذين زاغَتْ قلوبُهم من اتِّباعِ متشابهِ آيِ القرآنِ؛ ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلِه الذي لا يعلمُه غيرُ اللهِ -: يا ربَّنا، لا تجعلْنا مثلَ هؤلاء الذين زاغَتْ قلوبُهم عن الحقِّ، فَصَدُّوا عن سبيلِك؛ ﴿لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾: لا تُمِلها فتَصْرِفَها عن هُداك، ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ له، فوفَّقْتَنا للإيمانِ بمُحكَمِ كتابِك ومتشابِهِه، ﴿وَهَبْ لَنَا﴾ يا ربَّنَا، ﴿مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾ يعني: من عندِك رحمةً. يعنى بذلك: هَبْ لنا من عندِك توفيقًا وثباتًا للذى نحن عليه مِن الإقرارِ بمُحكَمِ كتابِك ومتشابِهِه، ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ يعنى: إِنَّك أنت المُعْطِى عبادَك التوفيقَ والسدادَ للثباتِ على دينِك، وتصديقِ كتابِك ورسلِك.

كما حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلَمةُ، عن ابن إسحاقَ، عن محمدِ بن جعفرِ بن الزبيرِ: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾. أي: لا تُمِلْ قلوبَنا وإن مِلْنا بأحداثِنا (١)، ﴿وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾ (٢).

وفي مدحِ اللهِ جل ثناؤُه هؤلاء القومَ بما مدَحهم به - مِن رغبتِهم إليه في ألا يُزِيغَ قلوبَهم، وأن يُعْطِيَهم رحمةً منه؛ معونةً لهم للثباتِ على ما هم عليه من حسنِ البصيرةِ بالحقِّ الذي (٣) هم عليه مُقيمون - ما أبان عن خطأِ قولِ الجهَلةِ من القَدَريّةِ: إنَّ إزاغةَ اللهِ قلبَ مَن أَزاغَ قلبَه مِن عبادِه عن طاعتِه، وإمالتَه (٤) له عنها، جوْرٌ؛ لأن


(١) في م: "بأجسادنا".
(٢) سيرة ابن هشام ١/ ٥٧٧، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٠١ (٣٢٢١) من طريق سلمة، عن ابن إسحاق قوله.
(٣) في ت ٢: "الذين".
(٤) في ت ١: "لا بامنه"، وفى ت:٢ "لا نامنه"، وفى س: "بامنه"، وكذا في ص ولكن غير منقوطة.