للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا أيضًا خلافُ ما دلَّ عليه ظاهرُ التنزيلِ؛ لأن الله جل ثناؤُه قال في كتابِه: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ﴾ [الأنفال: ٤٤]. فأخبَرَ أن كُلًّا مِن (١) الطائفتَيْن قليلٌ عددُها في مرْأَى الأخْرى.

وقرَأ آخَرون ذلك: (تُرَوْنَهم) بضمِّ التاءِ، بمعنى: يُرِيكُمُوهم اللهُ مثلَيْهم (٢).

وأوْلَى هذه القراءاتِ بالصوابِ قراءةُ مَن قرَأ: ﴿يَرَوْنَهُمْ﴾ بالياءِ، بمعنى: وأخرى كافرةٌ، يَرَاهم المسلمون مثلَيْهم، يعنى: مِثْلَى عددِ المسلمين؛ لتقليلِ اللهِ إياهم في أعينِهم في حالٍ، فكان حَزْرُهم إياهم كذلك، ثم قلَّلَهم في أعينِهم عن التَّقْليلِ الأولِ، فحزَرُوهم مثْلَ (٣) عددِ المسلمين، ثم تَقْليلًا ثالثًا، فحزَرُوهم أقلَّ مِن عددِ المسلمين.

كما حدَّثني [ابن بَزيعٍ] (٤) البغداديُّ، قال: ثنا إسحاقُ بنُ منصورٍ، عن إسرائيلَ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي عُبيدةَ، عن عبدِ اللَّهِ، قال: لقد قُلِّلوا في أعينِنا يومَ بدرٍ حتى قلْتُ لرجلٍ إلى جَنْبى: تَرَاهم سبعين؟ قال: أَرَاهم مائةً. قال: فأسَرْنا رجلًا منهم، فقلْنا: كم كنتم؟ قال: ألفًا (٥).

وقد رُوِى عن قتادةَ أنه كان يقولُ: لو كانَت (تَرَوْنَهم)، لكانت "مِثْلَيْكم".


(١) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) في ص، س: "مثلهم"، وفى ت ٢: "مثليكم". وبضم التاء قراءة ابن عباس وطلحة. ينظر المحتسب ١/ ١٥٤، والبحر المحيط ٢/ ٣٩٤.
(٣) في النسخ: "مثلى". والمثبت هو الصواب.
(٤) في النسخ: "أبو سعيد". وسيأتي على الصواب في تفسير الآية (٤٤) من سورة الأنفال، ٢٦/ ٦٦، ٢٧/ ٤٩ من المطبوع.
(٥) أخرجه البيهقى في الدلائل ٣/ ٦٧ من طريق إسحاق بن منصور به، وابن سعد في الطبقات ٢/ ٢٢، وابن أبى شيبة ١٤/ ٣٧٤ من طريق إسرائيل به، وعند ابن سعد ببعضه، وأخرجه أيضًا ابن سعد ٢/ ٢١ من طريق أبى إسحاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ١٨٩ إلى أبى الشيخ وابن مردويه.