للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال قائلٌ: وما معنى أمرِ اللَّهِ عبادَه بأن يَسْألوه المعونةَ على طاعتِه؟ أوَ جائزٌ، وقد أمَرهم بطاعتِه، ألا يُعِينَهم عليها؟ أم هل يقولُ قائلٌ لربِّه: إياك نَسْتَعِينُ على طاعتِك. إلا وهو على قولِه ذلك مُعانٌ؟ وذلك هو الطاعةُ، فما وجهُ مسألةِ العبدِ ربَّه ما قد أعْطاه (١) إياه؟

قيل: إن تأويلَ ذلك على غيرِ الوجهِ الذي ذهبتَ إليه، وإنما الداعي ربَّه مِن المؤمنين أن يُعِينَه على طاعتِه إياه، داعٍ أن يُعِينَه فيما بقِي مِن عمرِه على ما كلَّفه مِن طاعتِه، دون ما قد تَقَضَّى ومضَى مِن أعمالِه الصالحةِ فيما خلا مِن عمرِه. وجازت مسألةُ العبدِ ربَّه ذلك؛ لأن إعْطاءَ اللَّهِ عبدَه ذلك مع تمكينِه جَوارحَه لأداءِ ما كلَّفه مِن طاعتِه وافْتَرَض عليه مِن فرائضِه - فضلٌ منه جل ثناؤُه تفَضَّل به عليه، ولُطْفٌ منه لطَف له فيه، وليس في تركِه التفضُّلَ على بعضِ عَبيدِه بالتوفيقِ، مع اشتغالِ عبدِه بمعصيتِه، وانصرافِه عن محبتِه، ولا في بَسْطِه فضلَه على بعضِهم مع إجهادِ العبدِ نفسَه في محبتِه، ومسارعتِه إلى طاعتِه - فسادٌ (٢) في تدبيرٍ، ولا جَوْرٌ في حكمٍ، فيجوزَ أن يَجْهَلَ جاهلٌ موضعَ حُكمِ اللَّهِ أمرَه (٣) عبدَه بمسألتِه عونَه على طاعتِه.

وفي أمرِ اللَّهِ جل ثناؤُه عبادَه أن يقولوا: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. بمعنى مسألتِهم إياه المعونةَ على العبادةِ - أدلُّ الدليلِ على فسادِ قولِ القائلين بالتفويضِ مِن أهلِ القَدَرِ الذين أحالوا أن يَأْمُرَ اللَّهُ أحدًا مِن


(١) بعده في ص، ت ١: "اللَّه".
(٢) أي: ليس في تركه التفضل فسادٌ ....
(٣) في م: "وأمره".