للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل له (١): إن الكافَ التي مع "إِيَّا"، هي الكافُ التي كانت تَتَّصِلُ بالفعلِ - أعْنِي بقوله: ﴿نَعْبُدُ﴾ - لو كانت مؤخرةً بعدَ الفعلِ (٢)، وهي كنايةُ اسمِ المخاطَبِ المنصوبِ بالفعلِ، فكُثِّرت بـ "إيَّا" مُتَقَدِّمةً (٣)، إذ كانت الأسماءُ إذا انفَرَدَتْ بأنفسِها لا تكونُ في كلامِ العربِ على حرفٍ واحدٍ، فلمَّا كانت الكافُ مِن: ﴿إِيَّاكَ﴾ هي كنايةَ اسمِ المخاطَبِ التي كانت تكون كافًا وحدَها مُتَّصِلةً بالفعلِ، إذا كانت بعدَ الفعلِ، ثم كان حظُّها أن تُعادَ مع كلِّ فعلٍ اتَّصَلَتْ به، فيقالَ: اللهم إنا نَعْبُدُك، ونَسْتَعِينُك، ونَحْمَدُك، ونَشْكُرُك. وكان ذلك أفصحَ في كلامِ العربِ مِن أن يُقالَ: اللهم إنا نَعْبُدُك ونَسْتَعِينُ ونَحْمَدُ. كان كذلك إذا قُدِّمَت كنايةُ اسمِ المُخاطَبِ قبلَ الفعلِ موصولةً بـ "إيا"، كان الأفصحُ إعادتَها مع كلِّ فعلٍ، كما كان الفصيحُ مِن الكلامِ إعادتَها مع كلِّ فعلٍ، إذا (٤) كانت بعدَ الفعلِ مُتَّصِلةً به، وإن كان تركُ إعادتِها جائزًا.

وقد ظنَّ بعضُ مَن لم يُنْعِمِ (٥) النظرَ أن إعادةَ: ﴿إِيَّاكَ﴾ مع ﴿نَسْتَعِينُ﴾ بعدَ تقدُّمِها في قولِه: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ بمعنى قولِ عديِّ بنِ زيدٍ العِبَاديِّ (٦):

وجاعِل (٧) الشمسِ مِصْرًا (٨) لا خَفاءَ به … بينَ النهارِ وبينَ الليلِ قد فصَلا


(١) زيادة من: م، ت ٢، ت ٣.
(٢) في ص: "الفصل".
(٣) في ص: "متعدية".
(٤) في م، ت ١: "إذ".
(٥) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يمعن".
(٦) أساس البلاغة ص ٩٠٣. وفي المخصص ١٣/ ١٦٤ (المجلد الرابع)، واللسان والتاج (م ص ر) منسوبا إلى أمية بن أبي الصلت. واستدركه ابن برى ونسبه إلى عدي بن زيد.
(٧) في المخصص، واللسان، والتاج: "جعل".
(٨) المصر: الحاجز بين الشيئين.