للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي﴾. أي: فتَقبلْ منى ما نَذَرْتُ لك يا ربِّ ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾. يعنى: إنك أنت يا ربِّ السميعُ لما أقولُ وأَدْعُو، العليمُ لما أَنْوِى في نفسِى وأُرِيدُ، لا يَخْفَى عليك سِرُّ أَمْرِى وعلانيتُه.

وكان سببَ نذرِ حَنَّةَ ابنة فاقوذ (١) امرأةِ عِمرانَ، الذي ذكره الله في هذه الآية، فيما بَلَغَنا، ما حدَّثنا به ابن حُميدٍ، قال: ثنا سَلَمَةُ، قال: حدثنا محمدُ بنُ إسحاق، قال: تَزَوَّج زكريا وعمرانُ أُخْتَين، فكانت أمُّ يحيى عند زكريا، وكانت أمُّ مريم عند عِمرانَ، فهلَك عِمرانُ وأمُّ مريم حاملٌ بمريمَ، فهى جَنينٌ في بطنِها. قال: وكانت فيما يَزْعُمون قد أُمْسِك عنها الولدُ حتى أَسَنَّتْ، وكانوا أهل بيتٍ مِن الله جلَّ ثناؤُه بمكانٍ، فبينا هي في ظلِّ شجرةٍ، نَظَرتْ إلى طائرِ يُطْعِمُ فَرْخًا له، فتَحَرَّكَتْ نفسُها للولدِ، فَدَعَتِ الله أن يَهَبَ لها ولدًا، فحمَلَتْ بمريمَ، وهَلَكَ عِمرانُ، فلمَّا عَرَفتْ أَن في بطنِها جنينًا، جَعَلته للهِ نَذيرةً. والنَّذيرةُ أن تُعَبِّدَه للهِ، فتَجْعَلَه حبسًا في الكنيسة، لا يُنْتَفعُ به بشيءٍ مِن أمور الدنيا.

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، عن محمدِ بن جعفر بن الزُّبير، قال: ثم ذكر امرأةَ عِمرانَ وقولها: ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾ أي: نَذَرْتُه، تقولُ: جَعَلتُه عتيقًا لعبادة الله، لا يُنْتَفَعُ به بشيءٍ مِن أُمورِ الدنيا، ﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (٢).

حدَّثني عبدُ الرحمن بنُ الأسودِ الطُّفاويُّ، قال: ثنا محمدُ بنُ رَبيعةَ، قال: ثنا النَّضْرُ بنُ عربيٍّ، عن مجاهدٍ في قوله: ﴿مُحَرَّرًا﴾. قال: خادمًا للبيعة (٣).


(١) في ص: "قاقود".
(٢) سيرة ابن هشام ١/ ٥٧٩.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٣٦ (٣٤٢٣) من طريق النضر بن عربي به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٨ إلى عبد بن حميد.