للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: حدَّثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: حدَّثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، قال: حدَّثنا أبو رَوْقٍ، عن الضحاكِ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عباسٍ، قال: قال جبريلُ لمحمدٍ: قلْ يا محمدُ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾. يقولُ (١): ألْهِمْنا الطريقَ الهاديَ (٢).

وإلهامُه إياه ذلك هو توفيقُه له، كالذي قلْنا في تأويلِه. ومعناه نظيرُ معنى قولِه: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. في أنه مسألةُ العبدِ ربَّه التوفيقَ للثباتِ على العملِ بطاعتهِ، وإصابةِ الحقِّ والصوابِ فيما أمَره به ونهاه عنه، فيما يَسْتَقْبِلُ مِن عُمُرِه، دون ما قد مضَى مِن أعمالِه، وتقَضَّى فيما سلَف مِن عمُرِه، كما قولُه: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. مسألةٌ منه ربَّه المَعُونةَ على أداءِ ما قد كلَّفه مِن طاعتهِ فيما بقِي مِن عمُرِه. فكان معنى الكلامِ: اللهمَّ إياك نَعْبُدُ وحدَك لا شريكَ لك، مُخْلِصِين لك العبادةَ دونَ ما سواك مِن الآلهةِ والأوثانِ، فأعِنَّا على عبادتِك، ووفِّقْنا لما وفَّقْت له مَن أنْعَمْتَ عليه مِن أنبيائِك وأهلِ طاعتِك، مِن السبُلِ (٣) والمِنْهاجِ.

فإن قال قائلٌ: وأنَّى وجَدْتَ الهدايةَ في كلامِ العربِ بمعنى التوفيقِ؟

[قيل له] (٤): ذلك في كلامِها أكثرُ وأظهرُ مِن أن يُحْصَى عددُ ما جاء عنهم في ذلك مِن الشواهدِ، فمِن ذلك قولُ الشاعرِ (٥):

لا تَحْرِمَنِّي هداك اللَّهُ مَسْألتي … ولا أكُونَنْ كمَن أوْدَى به السَّفَرُ


(١) سقط من: ر.
(٢) سيأتي بتمامه في ص ١٧٤.
(٣) في م: "السبيل"، وفي ت ٢، ت ٣: "السبر".
(٤) في ص، ر: "قبل".
(٥) لودفة الأسدي أبيات على نفس الوزن يقولها لمعن بن زائدة. ينظر أمالي المرتضى ١/ ٢٢٢.