للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عقلٍ من أن يقولَ قائلٌ: كفَّل فلانٌ فلانًا فكَفَله فلانٌ. فكذلك القولُ في ذلك: ألْقَى القومُ أقلامَهم أيُّهم يَكْفُلُ مريمَ بتَكْفيل الله إياه بقضائه الذي يَقْضِي بينَهم فيها، عندَ إلقائِهم الأقلام.

وكذلك اخْتَلَفتِ القَرَأَةُ في قراءةِ ﴿زَكَرِيَّا﴾؛ فقرأَتْه عامةُ قرأة المدينة بالمدِّ، وقَرأَتْه عامةُ قَرأةِ الكوفة بالقصْر (١). وهما لُغَتان مَعْروفتان وقراءتان مُسْتَفِيضتان في قرأةِ المسلمين، وليس في القراءة بإحداهما خلافٌ لمعنى القراءةِ الأُخْرَى، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فهو مُصِيبٌ.

غير أن الصوابَ عندَنا إذا مُدَّ "زكريا"، أن يُنْصَبَ بغيرِ تَنْوينِ؛ لأنه اسمٌ مِن أسماءِ العَجَم لا يُجْرَى (٢)، ولأن قراءتنا في ﴿وَكَفَّلَهَا﴾ بالتشديد وتَثْقيل الفاءِ، فـ "زكرياءُ" مَنصوبٌ بالفعل الواقع عليه.

وفى "زكريا" لغةٌ ثالثةٌ لا تَجوزُ القراءةُ بها؛ لخلافِها مصاحفَ المسلمين، وهو "زَكَرِيٌّ"، بحذف المَدَّةِ والياء الساكنة، تُشَبِّهُه العربُ بالمنسوب من الأسماء، فتُنَوِّنُه وتُجْريه في أنواع الإعرابِ مَجارِيَ ياءِ النِّسبةِ.

فتأويلُ الكلام: وضَمَّها الله إلى زكريا. من قول الشاعر (٣):

* فَهْوَ لِضُلَّالِ الهَوَامِ (٤) كافِلُ *


(١) قرأ حفص وحمزة والكسائى وخلف بالقصر من غير همز في جميع القرآن، ووافقهم الحسن والأعمش، والباقون بالهمز والمد. إتحاف فضلاء البشر ص ١٠٤.
(٢) لا يجرى. أي: لا يصرف. مصطلحات النحو الكوفى ص ٩٨.
(٣) مجاز القرآن ٢/ ١٤.
(٤) هوامى الإبل: ضوالُّها. وقال أبو عبيدة: الهوامى: الإبل المهملة بلا راع، وقد هَمَت تَهمى فهى هاميةٌ؛ إذا ذهبت على وجهها. وكل ذاهب وجار من حيوان أو ماء فهو هام. النهاية ٥/ ٢٧٦، واللسان (هـ م ي).