للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليست العلَّةُ التي اعتلَّ بها القارِئون بكسرِ "إن"، مِن أَنَّ عبد الله كان يقرَؤُها كذلك، [فقرَءُوها كذلك] (١)؛ وذلك أنَّ عبدَ اللهِ إن كان قرَأ ذلك كذلك، فإنما قرَأها - بزعمهم - وقد اعتَرَض [بـ (يا] (٢) زكريا) بين (إن)، وبينَ قوله ﴿فَنَادَتْهُ﴾ وإذا اعتُرِض به بينهما، فإن العربَ تُعْمِلُ حينئذٍ النداء في "أن"، وتُبْطِلُه عنها. أما الإبطالُ؛ فلأنّه (٣) بطل عن العمل في المُنادى قبله، فأسْلكوا الذي بعدَه مَسْلكَه في بُطولِ عملِه. وأمّا الإعمالُ؛ فلأنَّ النداءَ فعلٌ واقعٌ (٤) كسائرِ الأفعالِ.

وأما قراءتُنا، فليس نداءُ زكريا بـ (يا زكريا) مُعْتَرَضًا به بينَ ﴿أَنَّ﴾ وبين قوله: ﴿فَنَادَتْهُ﴾، وإذ لم يكن ذلك بينهما، فالكلام الفصيح من كلام العربِ إذا (٥) نصَبَت بقول: ناديت. اسمَ المنادى وأوقعوه عليه، أن يوقِعوه كذلك على "أن" بعده، وإن كان جائزًا إبطالُ عمله. فقولُه: ﴿فَنَادَتْهُ﴾ قد وقع على مَكْنِيِّ "زكريّا"، فكذلك الصوابُ أن يكون واقعًا على ﴿أَنَّ﴾ وعاملًا فيها، مع أن ذلك هو القراءةُ المُستفيضة في قرأة أمصارِ الإسلام، ولا يُعتَرضُ بالشاذِّ على الجماعة التي تجيءُ مَجِيءَ الحُجَّةِ (٦).

وأما قوله: ﴿يُبَشِّرُكَ﴾. فإن القرأَةَ اختلَفت في قراءتِهِ؛ فَقَرَأَته عامةُ قَرَأَةِ أهل المدينةِ والبصرة: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ﴾ بتَشْدِيدِ الشينِ وضَمِّ الياءِ (٧)، على وَجْهِ


(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س. ولعل صواب السياق أن يكون بعدها: لهم بعلة.
(٢) في ص، ت ١، س: "بهذا"، وفي ت ٢: "بهتا".
(٣) في م: "فإنه".
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، س: "رافع". والفعل الواقع هو الفعل المتعدى.
(٥) في م: "إذ".
(٦) تقدم أن القراءتين متواترتان.
(٧) قرأ بها نافع وابن عامر وعاصم وابن كثير وأبو عمرو. السبعة لابن مجاهد ص ٢٠٥، ٢٠٦.