للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُعْنَى بذلك أنها تُدْخَلُ إليه، وكما تُهْدَى الهديَّةُ إلى الرجلِ، وكما تَهْدِي الساقَ القدمُ، نظيرَ قولِ طَرَفةَ بنِ العَبْدِ (١):

لعِبَتْ بَعْدِي السُّيولُ به … وجرَى في رَوْنَقٍ رِهَمُهْ (٢)

للفتى عَقْلٌ يَعِيشُ به … حيث تَهْدِي ساقَه قَدَمُهْ

أي: تَرِدُ به المواردَ.

وفي قولِ اللَّهِ جل ثناؤُه: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. ما يُنْبِئُ عن خطأ هذا التأويلِ، مع شهادةِ الحُجَّةِ مِن المفسِّرِين على تخطئتِه، وذلك أن جميعَ المفسِّرين مِن الصحابةِ والتابعين مُجْمِعون على أن معنى الصراطِ في هذا الموضعِ غيرُ المعنى الذي تأَوَّله قائلُ هذا القولِ، وأن قولَه: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. مسألةُ العبدِ ربَّه المعونةَ على عبادتِه، فكذلك قولُه: ﴿اهْدِنَا﴾. إنما هو مسألتُه (٣) الثباتَ على الهدى فيما بقِي مِن عمُرِه.

والعربُ تقولُ: هدَيْتُ فلانًا الطريقَ، وهدَيْتُه للطريقِ، وهدَيْتُه إلى الطريقِ: إذا أرْشَدْتَه إليه (٤)، وسدَّدْتَه له. وبكلِّ ذلك قد (٥) جاء القرآنُ، قال اللَّهُ جل ثناؤُه: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾ [الأعراف: ٤٣]. وقال في موضع آخرَ: ﴿اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: ١٢١]. وقال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾. وكلُّ ذلك فاشٍ في منطقِها، موجودٌ في كلامِها، من ذلك قولُ


(١) ديوانه ص ٧٥، ٨٠.
(٢) في ص، ت ١: "دهمه"، وفي ر: "دَهَمُه". والرهم جمع الرهمة: المطر الضعيف الدائم الصغير القطر. اللسان (ر هـ م).
(٣) في ص، م: "مسألة".
(٤) في ر: "إلى الطريق".
(٥) زيادة من: ر، ت ٢، ت ٣.