للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو اسمٌ لا صفةٌ؛ فقال بعضُ نحويى البصرةِ: جُرَّ ﴿سَوَاءٍ﴾؛ لأنها مِن صفةِ الكلمةِ، وهى العدلُ، وأراد مُسْتَويةً. قال: ولو أراد اسْتِواءً كان النصبُ، وإن شاء أن يَجْعَلَها على الاستواءِ ويَجُرَّ جاز، ويَجْعَلَهُ مِن صفةِ الكلمةِ، مثلَ الخَلْقِ؛ لأن الخلقَ هو المخلوقُ، والخلق قد يكونُ صفةً واسمًا، ويَجْعَلُ الاستواءَ مثلَ المُسْتَوِى، قال ﷿: ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥]. لأن السَّواءَ للآخِرِ، وهو اسمٌ ليس بصفةٍ، فيُجْرَى على الأولِ، وذلك إذا أراد به الاسْتِواءَ، فإن أراد به مُسْتَوِيًا جاز أن يُجْرَى على الأولِ. والرفعُ في ذا المعنى جيِّدٌ؛ لأنها لا تُغيَّرُ عن حالِها، ولا تُثَنَّى، ولا تُجْمَعُ، ولا تُؤَنَّثُ، فَأَشْبَهَت الأسماءَ التي هي مثلُ عَدْلٍ ورضًى وجُنُبٍ، وما أشْبَهَ. ذلك، وقالوا - (أن نجعلَهم كالذين آمنوا وعمِلوا الصالحات سواءٌ محياهم ومماتُهم) (١) -: فالسواءُ للمَحْيا، والمماتُ بهذا (٢) المبتدأُ.

وإن شئْتَ أَجْرَيْته على الأولِ، وجَعَلْتَه صفةً مُقَدَّمةً، كأنها مِن سببِ الأولِ، فجَرَت عليه، وذلك إذا جَعَلْتَه في معنى مُسْتَوٍ. والرفعُ وجهُ الكلامِ كما فسَّرْتُ لك.

وقال بعضُ نحويى الكوفةِ: ﴿سَوَاءٍ﴾: مصدرٌ وُضِع مَوْضِعَ الفعلِ (٣)، يعنى موضعَ مُتساويةٍ ومتساوٍ؛ فمرةً يَأتى على الفعلِ، ومرةً على المصدرِ، وقد يقالُ في ﴿سَوَاءٍ﴾ بمعنى عَدْلٍ: سِوًى وسُوًى. كما قال جل ثناؤُه: ﴿مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨]. وسُوىً يُرادُ به عدْلٌ ونَصَفٌ بيننا وبينَك. وقد رُوِى عن ابن مسعودٍ أنه كان


(١) تأتى هذه القراءة عند تفسير الآية ٢١ من سورة الجاثية.
(٢) في س: "فهذا".
(٣) يعنى بالفعل هنا الوصف المشتق مثل فاعل ومفعول. ينظر مصطلحات النحو الكوفي ص ٥٢.