للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكتابِ من اليهودِ والنصارى، رَأَوْا نَعْتَ (١) محمدٍ في كتابِهم، وأقَرَّوا (٢) به، وشَهِدوا أنه حقٌّ، فلمَّا بُعِث من غيرِهم حَسَدوا العربَ على ذلك، فأنكَروه وكفَروا بعدَ إقرارِهم، حسدًا للعربِ، حينَ بُعِث من غيرِهم (٣).

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن الحسنِ في قولِه: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾. قال: هم أهلُ الكتابِ، كانوا يَجِدون محمدًا في كتابِهم، ويَستَفْتِحون به، فكفَروا بعد إيمانِهم (٤).

قال أبو جعفرٍ: وأشبهُ القولَين بظاهرِ التنزيلِ ما قال الحسنُ، من أن هذه الآيةَ مَعْنِيٌّ بها أهلُ الكتابِ، على ما قاله، غيَر أن الأخبارَ بالقولِ الآخرِ أكثرُ، والقائلين به أعلمُ بتأويلِ القرآنِ. وجائزٌ أن يكونَ اللَّهُ ﷿ أَنزَل هذه الآياتِ بسببِ القومِ الذين ذُكِر أنهم كانوا ارتدُّوا عن الإسلامِ، فجمَع قِصَّتَهم وقصةَ مَن كان سبيلُه سبيلَهم في ارتِدادِه عن الإيمانِ محمدٍ في هذه الآياتِ. ثم عَرَّف عبادَه سُنَّتَه فيهم، فيكونُ داخلًا في ذلك كلُّ مَن كان مؤمنًا بمحمدٍ قبلَ أن يُبْعَثَ، ثم كفرَ به بعدَ أن بُعِث، وكلُّ مَن كان كافرًا ثم أسلَم على عهدِه ، ثم ارتدَّ وهو حيٌّ عن إسلامِه. فيكونُ مَعْنِيًّا بالآيةِ جميعُ هذيْن الصِّنْفَين وغيرُهما، [ممن كان بمثلِ معناهما] (٥)، بل ذلك كذلك إن شاءَ اللَّهُ.

فتأويلُ الآيةِ إذن: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾. يعنى: كيف يُرْشِدُ اللهُ للصوابِ، ويُوَفِّقُ للإيمانِ، قومًا جَحَدُوا نُبُوَّةَ محمدٍ ، ﴿بَعْدَ


(١) في ص: "بعث".
(٢) في ص، ت ١: "أقرا".
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٤٩ إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٤) تفسير عبد الرزاق ١/ ١٢٥ وفيه: "ويستخفون به".
(٥) في ت ١: "من كان بمعناهما".