للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويَتَأوَّلُه بمعنى: في بئرٍ حورٍ سَرى. أي: في بئرٍ هَلَكةٍ. وأن "لا" بمعنى الإلغاءِ والصلةِ (١)، ويَعْتَلُّ أيضًا لذلك بقولِ أبي النَّجْمِ (٢):

فما أَلومُ البِيضَ ألا تَسْخَرا

لمَّا رأَيْن الشَّمَطَ القَفَنْدَرَا (٣)

وهو يُريدُ: فما ألومُ البيضَ أن تَسْخَرَ. وبقولِ الأحْوصِ (٤):

ويَلْحَيْنَنِي (٥) في اللهْوِ ألا أُحِبَّه … وللهوِ داعٍ دائبٌ غيرُ غافِلِ

يريدُ: ويَلْحَيْنَني في اللهوِ أن أُحِبَّه. وبقولِه تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾ [الأعراف: ١٢]. يُريدُ: أن تَسْجُدَ.

وحُكِي عن قائلِ هذه المقالةِ أنه كان يتَأَوَّلُ: ﴿غَيْرِ﴾ التي مع ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ أنها بمعنى "سِوى". فكأن معنى الكلامِ كان عندَه: اهدنا الصراطَ المستقيمَ، صراطَ الذين أنعمتَ عليهم، الذين هم سوى المغضوبِ عليهم و (٦) الضالين.

وكان بعضُ نحويِّي الكوفيِّين (٧) يَسْتَنْكِرُ ذلك مِن قولِه، ويَزْعُمُ أن ﴿غَيْرِ﴾ التي مع ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ لو كانت بمعنى "سِوَى"، لَكان خطأً أن يُعْطَفَ عليها بـ "لا"، إذ كانت "لا" لا يُعْطَفُ بها إلا على جَحْدٍ قد تقَدَّمَها، كما كان خطأً قولُ القائلِ: عندي "سِوى" أخيك ولا أبيك. لأن "سوى" ليست مِن


(١) يقصد بالصلة هنا الحرف الزائد. ينظر مصطلحات النحو الكوفي ص ٣٨.
(٢) ديوانه (مجموع) ص ١٢١.
(٣) القفندر: القبيح المنظر. اللسان (قفندر)، والبيت فيه.
(٤) شعر الأحوص ص ١٧٩.
(٥) في ر: "تلحينني". ولحاه يلحاه لحيا: لامه وعذله. اللسان (ل ح ا).
(٦) بعده في ص، ت ١: "لا".
(٧) في م: "الكوفة". ويعني بذلك الفراء. ينظر معاني القرآن له ١/ ٨.