للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حروفِ النفيِ والجحودِ. ويقولُ: لمَّا كان ذلك خطأً في كلامِ العربِ، وكان القرآنُ بأفصحِ (١) اللغاتِ مِن لغاتِ العربِ، كان معلومًا أن الذي زعَمه القائلُ أن ﴿غَيْرِ﴾ مع ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ بمعنى: سوى المغضوبِ عليهم - خطأٌ، إذ كان قد كرَّ عليه الكلامَ بـ "لا"، وكان يَزْعُمُ أن ﴿غَيْرِ﴾ هنالك إنما هي بمعنى الجحدِ، و (٢) كان صحيحًا في كلامِ العربِ وفاشيًا ظاهرًا في مَنْطِقِها تَوجيهُ "غيرِ" إلى معنى النفيِ، ومُسْتَعْمَلًا فيهم: أخوك غيرُ مُحْسِنٍ ولا مُجْمِلٍ. يُرادُ بذلك: أخوك لا مُحْسِنٌ ولا مُجْمِلٌ. ويَسْتَنْكِرُ أن تَأْتيَ "لا" بمعنى الحذفِ في الكلامِ مبتدأً ولمَّا يَتَقَدَّمْها جحدٌ. ويقولُ: لو جاز مجيئُها بمعنى الحذفِ مبتدأً قبلَ دلالةٍ تَدُلُّ على ذلك مِن جحدٍ سابقٍ، لصحَّ قولُ قائلٍ قال: أرَدْتُ ألا أُكْرِمَ أخاك. بمعنى: أردْتُ أن أكرمَ أخاك. وكان يقولُ: ففي شهادةِ أهلِ المعرفةِ بلسانِ العربِ على تخطئةِ قائلِ ذلك دَلالةٌ واضحةٌ على أنَّ "لا" لا تَأْتي مُبْتدأةً بمعنى الحذفِ ولمَّا يَتَقَدَّمْها جحْدٌ. وكان يَتَأوَّلُ في "لا" التي في بيتِ العجَّاجِ الذي (٣) ذكَرْنا أن البصْريَّ اسْتَشْهَد به لقولِه (٤) - أنها جحْدٌ صحيحٌ، وأن معنى البيتِ: سَرَى في بئرٍ لا تُحِيرُ عليه خيرًا، ولا يَتَبَيَّنُ له فيها أثرُ عملٍ، وهو لا يَشْعُرُ بذلك ولا يَدْرِي (٥) به. مِن قولِهم: طحَنَتِ الطاحنةُ فما أحارَت شيئًا. أي: لم يتبيَّنْ لها أثرُ عملٍ. ويقولُ في سائرِ الأبياتِ الأُخَرِ، أعْني مثلَ بيتِ أبي النَّجْمِ:

فما ألُومُ البِيضَ ألا تَسْخَرَا


(١) في ص: "أفصح".
(٢) في م، ت ٢، ت ٣: "إذ".
(٣) في ص، ت ١: "التي".
(٤) في م: "بقوله".
(٥) في ص: "يرى".