للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع آدمَ حينَ هبَط. قال: أُهْبِطُ معك بَيْتى يُطافُ حولَه، كما يطافُ حولَ عرشي. فطاف حولَه آدمُ، ومن كان بعدَه من المؤمنين، حتى إذا (١) كان زمنُ الطُّوفانِ - زمنَ أَغْرَق اللهُ قومَ نوحٍ - رفَعه اللهُ وطهَّره من أن يُصِيبَه عقوبةُ أهلِ الأرضِ، فصار معمورًا في السماءِ، ثم إن إبراهيمَ تَتَبَّع منه أثرًا بعد ذلك، فبناه على أساسٍ قديمٍ كان قبلَه (٢).

والصوابُ من القولِ في ذلك ما قال جلَّ ثناؤُه فيه: إن أولَ بيتٍ مباركٍ وهُدًى وُضع للناسِ للَّذى ببكَّةَ. ومعنى ذلك: إن أولَ بيتٍ وُضِع للناسِ؛ أي لعبادةِ اللهِ فيه، ﴿مُبَارَكًا وَهُدًى﴾، يعنى بذلك: ومآبًا لنُسُكِ الناسِكين، وطَوافِ الطائِفين. تعظيمًا للهِ، وإجلالًا له، للَّذى ببكَّةَ؛ لصحَّةِ الخبر بذلك عن رسولِ اللهِ .

وذلك ما حدَّثنا به محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عن شُعْبَةَ، عن سليمانَ، عن إبراهيمَ التَّيْميِّ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ مسجدٍ وُضِع أوَّلَ؟ قال: "المسجدُ الحرامُ". قال: ثم أيٌّ؟ قال: "المسجدُ الأقْصَى". قال: كم بينَهما؟ قال: "أربعون سنةً" (٣).

فقد بيَّن هذا الخبرُ عن رسولِ اللهِ أن المسجدَ الحرامَ هو أولُ مسجدٍ وضَعه اللهُ في الأرضِ، على ما قلنا. فأمَّا في مَوْضِعِه (٤) بيتًا بغيرِ معنى بيتٍ للعبادةِ والهُدى والبركةِ، ففيه من الاختلافِ ما قد ذكرتُ بعضه في هذا الموضعِ، وبعضَه في سورةِ


(١) في م: "إذ".
(٢) أخرجه الأزرقى في أخبار مكة ١/ ١٢ من طريق معمر، عن قتادة بنحوه مختصرًا.
(٣) أخرجه ابن حبان (١٥٩٨) من طريق ابن أبي عدى به، وأخرجه الطيالسي (٤٦٤)، وأحمد ٥/ ١٦٠، ١٦٦، ١٦٧ (الميمنية)، وأبو عوانة ١/ ٣٩٢ من طريق شعبة به.
(٤) في م، ت ٢: "وضعه". والمثبت هو لفظ المصنف الذي ذكره في ٢/ ٥٥٢.