للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك قولُه: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). إذ كان لا شكَّ أن مَن عرَف مَلِكَ يومِ الدينِ، فقد عرَفه بأسمائِه الحُسْنَى، وصفاتِه المُثْلَي، وأن مَن كان للَّهِ مُطيعًا، فلا شكَّ أنه لسبيلِ مَن أنْعَم اللَّهُ عليه في دينِه مُتَّبِعٌ، وعن سبيلِ مَن غضِب عليه وضلَّ مُنعَدِلٌ، فما في زيادةِ الآياتِ الخمسِ الباقيةِ مِن الحكمةِ التي لم تَحْوِها الآيتان اللتان ذكَرْنا؟

قيل له: إن اللَّهَ تعالى ذكرُه جمَع لنبيِّنا محمدٍ ولأمتِه بما أنْزَل إليه مِن كتابِه معانيَ لم يَجْمَعْهن بكتابٍ (١) أنْزَلَه إلى نبيٍّ قبلَه، ولا لأُمةٍ مِن الأممِ قبلَهم، وذلك أن كلَّ كتابٍ أنْزَله جلَّ ذكرُه، على نبيٍّ مِن أنبيائِه قبلَه، فإنما أنْزَله ببعضِ المعاني التي يَحْوِي جميعَها كتابُه الذي أنْزَله إلى نبيِّنا محمدٍ ، كالتوراةِ التي هي مَواعِظُ وتَفصيلٌ، والزَّبُورِ الذي هو تَحْميدٌ وتَمْجيدٌ، والإنجيلِ الذي هو مَواعِظُ وتَذْكيرٌ، لا مُعجزةَ في واحدٍ منها تَشْهَدُ لمَن أُنْزِل إليه بالتصديقِ، والكتابُ الذي أُنْزِل على نبيِّنا محمدٍ يَحْوِي معانيَ ذلك كلِّه، ويَزِيدُ عليه كثيرًا مِن المعاني التي سائرُ الكتبِ غيرِه منها خالٍ، وقد قدَّمْنا ذكرَها فيما مضَى مِن هذا الكتابِ (٢).

ومِن أشرفِ تلك المعاني التي فضَل بها كتابُنا سائرَ الكتبِ قبلَه نظْمُه العجيبُ، ورصفُه (٣) الغريبُ، وتأْليفُه البديعُ، الذي عجَزَتْ عن نظمِ مثلِ أصغرِ سورةٍ منه الخُطَباءُ، وكلَّتْ عن رَصْفِ (٤) شكلِ بعضِه البُلَغاءُ، وتحيَّرَت في تأليفِه


(١) في ص: "كتاب".
(٢) ينظر ما تقدم في ص ٦٥، ٦٦.
(٣) في ر، م، ت ١، ت ٣: "وصفه". والرصْف: ضم الشيء بعضه إلى بعض. اللسان (ر ص ف).
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "وصف".