للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشعراءُ، وتبَلَّدَت - قصورًا عن أن تَأْتيَ بمثلِه - لديه أفهامُ الفُهماءِ، فلم يَجِدوا له إلا التسليمَ والإقرارَ بأنه مِن عندِ الواحدِ القَهَّارِ، مع ما يَحْوِي مع ذلك مِن المعاني التى هي ترغيبٌ وترهيبٌ، وأمرٌ وزجرٌ، وقَصَصٌ وجَدَلٌ ومَثَلٌ، وما أشبهَ ذلك مِن المعاني التي لم تَجْتَمِعْ (١) في كتابٍ أُنْزِل إلى الأرضِ مِن السماءِ. فمهما يَكُنْ فيه مِن إطالةٍ على نحوِ ما في أمِّ القرآنِ، فلِما وصَفْتُ قبلُ مِن أن اللَّهَ جلَّ ذكرُه أراد أن يَجْمَعَ برصفِه العجيبِ، ونظْمِه الغريبِ، المُنْعَدِلِ عن أوزانِ الأشعارِ، وسَجْعِ الكُهَّان، وخُطَبِ الخطباءِ، ورسائلِ البُلغاءِ، العاجزِ عن رصْفِ مثلِه جميعُ الأنامِ، وعن نظمِ نظيرِه كلُّ العبادِ - الدلالةَ على نبوةِ نبيِّنا محمدٍ .

وبما فيه مِن تحْميدٍ وتمْجيدٍ وثناءٍ عليه، تنبيهَ العبادِ على عظمتِه وسلطانِه وقدرتِه وعِظَمِ مَملكتِه، ليَذْكُروه بآلائِه، ويَحْمَدوه على نَعْمائِه، فيَسْتَحِقُّوا به منه المزيدَ، ويَسْتَوْجِبوا عليه الثوابَ الجزيلَ.

وبما فيه مِن نَعْتِ مَن أنْعَم عليه بمعرفتِه وتفضَّل عليه بتوفيقِه لطاعتِه، تعريفَ عبادِه أن كلَّ ما بهم مِن نعمةٍ في دينِهم ودُنْياهم فمنه، ليَصْرِفوا رغبتَهم إليه، ويَبْتَغوا حاجاتِهم مِن عندِه دونَ ما سواه مِن الآلهةِ والأندادِ.

وبما فيه مِن ذكرِه ما أحَلَّ بمَن عَصَاه مِن مَثُلاتِه، وأنْزَل بمَن خالَف أمرَه مِن عقوباتِه، ترهيبَ عبادِه عن رُكوبِ مَعاصِيه، والتعرُّضِ لما لا قِبَلَ لهم به مِن سَخَطِه، فيَسْلُكَ بهم في النَّكالِ والنَّقِماتِ سبيلَ مَن ركِب ذلك مِن الهُلَّاكِ.

فذلك وجهُ إطالةِ البيانِ في سورةِ أمِّ القرآنِ، وفيما كان نظيرًا لها مِن سائرِ سُورِ الفرقانِ، وذلك هو الحكمةُ البالغةُ والحجةُ الكاملةُ.


(١) في ص، ر، ت ١، ت ٢، ت ٣: "تجمع".