للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"سواء"، مِن أجلِ نقصانِه، وأنه غيرُ مكتفٍ بواحدٍ. فأغفَلوا في توجيهِهم قولَه: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾. على ما حكَينا عنهم إلى ما وجَّهوه إليه - مذاهبَهم فى العربيةِ، إذ أجازوا فيه مِن الحذفِ ما هو غيرُ جائزٍ عندَهم في الكلامِ مع "سواء". وأخطَئوا تأويلَ الآيةِ، فـ ﴿سَوَاءً﴾ فى هذا الموضعِ بمعنى التمامِ والاكتفاءِ، لا بالمعنى الذى تأوَّله مِن حكَينا قولَه.

وقد ذُكر أن قولَه: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾. الآياتُ الثلاثُ نزَلت في جماعةٍ مِن اليهودِ أسلَموا فحُسن إسلامُهم.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، قال: ثنى محمدُ بنُ أبى محمدٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: لما أَسلَم عبدُ اللهِ بنُ سلَامٍ، وثعلبةُ بنُ سَعْيةَ (١)، وأُسَيدُ بنُ سَعيةَ، وأسدُ بنُ عبيدٍ، ومَن أسلَم مِن يهودَ معهم، فآمَنوا وصدَّقوا، ورغِبوا في الإسلامِ، وتنحَّوا (٢) فيه، قالت أحبارُ يهودَ وأهلُ الكفرِ منهم: ما آمَن بمحمدٍ ولا اتَّبَعه إلَّا أشرارُنا، ولو كانوا مِن خيارِنا ما تَرَكوا دينَ آبائِهم وذهَبوا إلى غيرِه. فأنزَل اللهُ في ذلك مِن قولِهم: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ إلى قولِه: ﴿وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (٣).


(١) في ص، ت ٢، س: "سعيد".
(٢) فى الأصل: "تنخوا"، وبدون نقط فى ص، وفى ت ١، ت ٣: "منجوا"، وفي ت ٢:"محرا"، وفى م، وتفسير ابن أبي حاتم: "منحوا"، وفى سيرة ابن هشام: "رسخوا". وتنحوا فيه: توجهوا له، وصاروا في ناحيته، وقصدوه. ينظر النهاية ٥/ ٣٠، والتاج "ن ح و".
(٣) سيرة ابن هشام ١/ ٥٥٧، وأخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره ٣/ ٧٣٧ (٤٠٠٣) من طريق سلمة به. وعزاه السيوطى فى الدر المنثور ٢/ ٦٤ إلى ابن المنذر.