للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنفسِكم ﴿مِنْ دُونِكُمْ﴾. يقولُ: مِن دونِ أهلِ دينِكم ومِلَّتِكم. يعنى: مِن غيرِ المؤمنين. وإنما جعَل البطانةَ مَثَلًا لخليلِ الرجلِ، فَشَبَّهَه بما وَلِى بطنَه مِن ثيابِه؛ لحلولِه (١) منه فى اطِّلاعِه على أسرارِه وما يَطْويه عن أباعدِه وكثيرٍ مِن أقاربِه، مَحِلَّ ما وَلِى جَسَدَه مِن ثيابِه.

فَنهَى اللهُ المؤمنين به أن يتِخذوا مِن الكفارِ به أخِلَّاءَ وأصفياءَ، ثم عَرَّفهم ما هم عليه لهم مُنْطَوون، مِن الغِشِّ والخيانةِ، وبُغْيَتِهم (٢) إيَّاهم الغَوائلَ، مُحَذِّرهم بذلك منهم ومن (٣) مُخَالَّتِهم، فقال تعالى ذكرُه: ﴿لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا﴾. يعني: لا يستطيعونكم شَرًّا. مِن: أَلُوتُ آلُو أَلْوا. يقال: ما أَلا فلانٌ كذا. أى: ما استطاع، كما قال الشاعرُ (٤):

جَهْراءُ لا تَأْلُو إذا هي أظهَرَت … بَصَرًا ولا مِن عَيْلَةٍ تُغْنِينى

يعني: تستطيعُ عندَ الظهرِ إبصارًا.

وإنما يعنى جلّ ذكرُه بقولِه: ﴿لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا﴾. البِطانةَ التي نهَى المؤمنين عن اتخاذِها مِن دونِهم، فقال: إن هذه البِطانةَ لا تَتْرُكُكم طاقتَها خبالًا. أى: لا تَدَعُ جهدَها فيما أورَثَكم الخبالَ.

وأصلُ الخَبَّلِ والخَبَالِ الفسادُ، ثم يُستَعملُ في معان كثيرة، يدُلُّ على ذلك الخبرُ عن النبيِّ : "مَن أُصيب بحَبْلٍ أو جِرَاحٍ" (٥)


(١) في الأصل: "لجلوله"
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س:"بغيهم".
(٣) في الأصل: "عن".
(٤) هو أبو العيال الهذلي، والبيت فى ديوان الهذليين ٢/ ٢٦٣.
(٥) أخرجه أحمد ٢٦/ ٢٩٦، ٢٩٧ (١٦٣٧٥)، والدارمي ٢/ ١٨٨، وأبو داود (٤٤٩٦)، وابن ماجه (٢٦٢٣) من حديث أبي شريح الخزاعي.